ووالله الذي لا إله إلا هو ما يمنع الله عقوبته عن الكفار إلا لفساد فينا، ولو كان فينا صلاح واستقامة لأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فإذا كنا ضعافاً وليس عندنا قوة على مقاومتهم فإن معنا القوي الذي يمكر من حيث لا يعلم العباد، وأسلحتهم التي يجبرون بها ويتكبرون يدمرهم الله بها والله على كل شيء قدير، كما دمر أهل اليمن عندما فعلوا ما فعلوا وعتوا عن أمر ربهم، دمرهم بالسد الذي بنوه كما قال تعالى: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق الله واشكرا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم (?) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أُكُلٍ خمطٍ وأثلٍ وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) .

وهكذا تلك البلاد التي تجبرت وتكبرت وأنعم الله عليها فطغت وبطرت ولو وجد عندنا ما يستدعي عقوبتها لعاقبها الله، لكن يوجد عندنا من ينبغي أن يعاقب قبل أولئك، وما تأخرت عقوبتنا أيضاً إلا لما فينا من بقايا الصالحين.

يذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) في حوادث 718 هـ، وكان قد أدرك ذلك الأمر وهو في سن السابعة عشر تقريباً، فيخبر عن القحط الذي وقع في بلاد المشرق في الجزيرة بلغ عن ذلك القحط أنهم أكلوا الجيف ونبشوا القبور وأكلوا الموتى وأكلوا الكلاب، حتى أن الأم بدأت تأخذ ولدها وتبيعه من أجل أن يستعمله ويعطونها ثمناً خمسين درهماً، وبدأ الناس يذبحون أولادهم أيضاً ليأكلوهم ويذكر أبو شامة في كتابه (الذيل على الروضتين) أنه حدث في سنة 597 هـ ما لا يخطر ببال بشر، كان الناس يدعون الأطباء إلى بيوتهم بحجة العلاج فإذا دخلوا ذبحوهم وأكلوهم حتى أنهم أكلوا القطط والكلاب أيضاً ونبشوا القبور وأكلوا الموتى والجيف، حتى أن الأم كانت تمسك ولدها ليذبحه الوالد وأكلانه، وصلب السلطان كثيراً من الناس الذين فعلوا هذه الفعلة الشنيعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015