فإن سعيد بن المسيب كان يسمع من عمه والد زوجته أبي هريرة أحاديث ويحدث عنه أحياناً، ويسقطه ولا يصرح به أحياناً أخرى لاعتبارات، منها أمور سياسية، فقد ينقل عنه سعيد رواية تتعلق بأمور العامة فلا يصرح بها بإضافتها لأبي هريرة لئلا تصبح هناك مشاكل وابتلاءات كما هو الحال في العصور التي جاءت بعد عصور الخلفاء الراشدين، وهذا من جملة أغراض التدليس حذف الصحابي أو الشيخ الذي أخذ عنه التلميذ فيسقطه لأن حوله ما حوله من الاعتبارات، وكأنه يقول لئلا ندخل في مشاكل مع الدولة، فنرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونسقط الواسطة (أبا هريرة) لئلا يُستدعى ويحقق معه وما شاكل هذا.
وفعلا ً كان أبو هريرة يحفظ أحاديث فيها الإشارة إلى ذم بني أمية، فعلم سعيد بن المسيب أنه إذا حدث بها وسمى أبا هريرة، فهذا سيجر بلاءً عليه – أي على عمه – وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه – كما في صحيح البخاري - يقول: [حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم] أي لقطعت رقبتي، وهذا الذي كتمه لا يتعلق بالأحكام العملية، لأنه لو كان في الأحكام العملية لبثه أبو هريرة ولم يكتمه وهو يعلم وزر كتمان العلم، إنما كان ما يكتمه هو شيء فيه الإشارة إلى ذم الأمراء الذين سيأتون بعد معاوية وأولهم الفاسق المشهور يزيد بن معاوية الذي جاء وأفسد في دين الله، وفعل ما فعل ويكفيه عاراً وشناراً قتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [قلت: لم يثبت بأي سند صحيح هذا الأمر، وقد ألف في هذه الرسالة] ، ولذلك كان أبو هريرة يستعيذ بالله من رأس الستين وإمرة الصبيان قبل أن يأتي رأس الستين، فمات رضي الله عنه عندما قبل رأس الستين وسلم من الفتن التي جاءت بعد الستين.