(2) دليل آخر قرروا به هذا القول وهو: أنه ثبت في الحديث أن مَنْ شرب مِنَ الحوض لم يظمأ بعده أبداً، وقالوا: إذا لم يكن الحوض بعد الصراط فسنقع في إشكال من هذا النص والنصوص الأخرى وهو أن عصاه الموحدين سيعذبون في نار الجحيم ولا بد أن يعذب منهم قسم لم يغفر الله لهم لأن الأحاديث تواترت في إخراج العاصين من النار وهذا يعني أن هناك عذاباً للعصاة لكن هناك أناس يعفى عنهم وأناس يعذبون، قالوا: فهؤلاء الموحدون اللذين عذبوا في النار هل شربوا من الحوض أم لا؟ إن قلنا لم يشربوا، فالأمر ليس كذلك لأنهم موحدون وليسوا من المخلدين في نار جهنم فهم يستحقون السقيا والشراب إذ كيف يعامل الموحد معاملة المنافق والملحد. وإن قلنا شربوا، فكيف سيلقون في النار، وفي النار سيعطشون. لكن إذا كان الحوض بعد الصراط فلا إشكال لأن من شرب منه دخل الجنة فالذي يعذب في النار، ثم يخرج يجوز على الصراط ثم يشرب من الحوض ويدخل الجنة وحينئذ لا إشكال هنا على هذا القول. وهذا القول على ما وجاهة ما عُلِّلَ به فهو مردود لأمرين:
الأمر الأول: لا مانع أن يكون بين الحوض والجنة فاصل، والميزابان يصبان فيه بطريقة يعلمها الله ولا نعلمها، كما قلنا في النيل والفرات فإنهما يَصبُّ فيهما نهر من أصل سدرة المنتهى بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها وكم بينهما من حواجب وفواصل وليس عندنا ميزاب متصل من سدرة المنتهى إلى النيل والفرات إنما هو أمر غيبي أخبرنا عنه نبينا عليه الصلاة والسلام آمنا به ولا نبحث في كيفيته.
والأمر الثاني: قولهم إذا شرب عصاة الموحدين من الحوض وعذبوا في النار سيجدون العطش والظمأ، نقول: لا يشترط هذا فيعذبون بغير أنواع العطش، وذلك ليتميز العصاة في النار عن غيرهم من الكفار الأشرار في أنهم يعذبون ولا يعطشون كرماً من الله وفضلا ً.