الوجه الأول: تصريح آيات القرآن بأن ربنا الرحمن فوق عباده ومخلوقاته (فوق) قال الله جل وعلا: (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) في حق الملائكة. وقال جل وعلا: (وهو القاهر فوق عباده) . وهذا الدليل في منتهى الظهور والوضوح، وهذه الفوقية شاملة لفوقية الذات ويلزم منها فوقية القَدْر المنزلة والرتبة والمكانة فذاته عالية فوقنا ومنزلته ورتبته أيضاً فوقاً فله الفوقية من جميع الاعتبارات.
... وقبل الانتقال إلى الدليل الثاني سأذكر تأويل المبتدعة للفوقية وندحضه إن شاء الله ثم نذهب إلى الوجه الثاني من أدلة القرآن، وقبل أن أذكر الوجوه دائماً إذا مررت على شبهة فندتها حتى لا نفرد الشبهة في مبحث مستقل.
تأويل لبعض المبتدعة حول هذا الوجه:
قالوا: المراد من الفوقية هنا الفوقية المعنوية، أي هو فوق عباده في الرتبة والمنزلة أي شأنه أعلى من شأنهم (يخافون ربهم من فوقهم) أي يخافون ربهم الذي هو أعلى منهم رتبة ومنزلة، كما تقول الملك فوق الوزير رتبة، وحقيقة قد يخدعون كثيراً من السذج والدهماء بهذه العبارات المعسولة.
ونجيب: لو صح ما قلتم لكان في هذا ذمٌ لربكم، إن قالوا: كيف؟ نقول: أنتم تقولون: إنه فوقهم في الرتبة فإذن عندنا فاضل ومفضول اشتركا في فضيلة فالمفضول هو المخلوق والفاضل هو الله جل وعلا، أي أنه يشترك مع عباده في الفضائل لكنه يزيد عليهم في الفضالة، كما لو قلت الدينار فوق الدرهم فإن بإمكانك أن تشتري بالدينار وبالدرهم، فهناك قدر يشتركان فيه – أي الدرهم والدينار – لذلك نقول لهم: أف لكم ولتأويلكم، فما المزايا التي اشترك فيها المخلوق مع الخالق حتى قلنا إن الخالق أفضل من المخلوق؟!! والله إن هذا ذمٌ للخالق من حيث لا يشعرون.