ومكث مرة أربعين يوماً، فأعطاه بعض أهله حبة عنب فأكلها، فمكث أربعين يوما ولما أكل لم يأكل إلا حبة العنب فقط فهذا غنىً عما يحتاج إليه الناس.
ذكر الإمام بن كثير عند قوله تعالى (قال إنما أوتيته على علم عندي) حكايته عن قارون يقول: قال بعض الناس: (على علم عندي) أي بصنعة الكيمياء؟ أي أنه يقلب الخشب والحجر والنحاس إلى ذهب، وقال هذا هوس فالمعادن وحقائق الأشياء لا يمكن أن تقلب، فالخشب خشب والحجر حجر والحديد حديد، ولا يمكن أن نقلبه ذهباً أو فضة، يقول وأما قلب حقائق الأشياء إلى ذهب وفضة عن طريق خرق العادة من باب الكرامة فهذا جائز لأنه ليس بمشيئة الناس بل بمشيئة الله، كما جرى لحَيْوَة بن شُرَيْح وكان قد جاءه سائل فسأله – والقصة ثابتة صحيحة ثابتة في تهذيب التهذيب وتذكرة الحفاظ في ترجمة حَيْوَة بن شُرَيْح من شيوخ ورجال الكتب الستة فعلم حيوة صدقه واحتياجه، فأخذ مَدَرَة من الأرض – قطعة طين متجمدة – فأجالها في يده فوضعها في يد السائل فقلبها الله ذهباً خالصاً والله على كل شيء قدير، فهذا ليس بمشيئة المخلوقات إنما هو بمشيئة رب الأرض والسموات.
الشاهد: حادثة الإسراء والمعراج خارقة للعادة ترجع إلى العلم أو القدرة أو الغنى؟ ترجع إلى القدرة، أقدره الله على ما يعجز عنه البشر إلا من أكرمه الله بذلك، فيسري به إلى البيت المقدس ويعرج به إلى السموات السابعة فيعاد إلى بيت المقدس، ويعاد إلى مكة في جزء من الليل ولازال فراشه دافئاً.
وهذه الأمور الستة قد جمعها بعض أئمتنا في ستة أبيات من الشعر لطيفة وهي:
1- إذا رأيْتَ الأمرَ يخْرِقُ عادةً ... فمعجزةٌ إنْ مْن نبيٍّ لنا ظَهَرْ
2- وإن بان من قبل وصف نبوة ... فالإرهاصَ سِمْة ُ تتبع القومَ في الأثرْ
3- وإن جاء يوماً من ولي فإنه ... الكرامة في التحقيق عند ذوي النظرْ
4- وإن كان من بعض العوام صدوره ... فكنوه حقا بالمعونة واشتهرْ