والحيرة مقصودة ليسلم المخلوق بعجزه لخالقه، لكن الإحالة باطلة، ومثال الإحالة الجمع بين النقيضين، نفي النقيضين، هذا مستحيل، فلو قيل لنا: هل يقدر الله أن يوجد هذا حياً ميتاً في وقت واحد فماذا يكون الجواب؟ نقول: هذا ليس متعلق القدرة والعقل يحيل هذا ولكن هل نقول ممكن أم غير ممكن؟ لا نقول ممكن ولا غير ممكن، أن يوجد الله هذا حياً ميتاً في وقت واحد لا نقول إنه ممكن لأنه ليس متعلق بقدرة بل هو مستحيل، ولا نقول غير ممكن لأن هذا سوء أدب مع الله، لأن متعلق القدرة الممكنات والجائزات، وهذا مر في شرح الطحاوية في مبحث القدرة والإرادة، وهو مفصل في موضعه، فلو قيل هل يستطيع الله أن يقلب فلاناً إلى سيارة؟ نقول نعم لأنه ممكن وهو على كل شيء قدير، وهل يستطيع أن يمسخه قرداً أو خنزيراً؟ نقول ممكن ولكن هل يستطيع أن يجعله حياً وميتاً في آنٍ واحدٍ؟ نقول: الحياة نقيض الموت فإذا كان حيا فليس بميت وإذا كان ميتا فليس بحي، فكيف ستتعلق القدرة بما يحيله العقل لا بما يحار فيه؟.
وعندما يمسخ الإنسان (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) هذا المسخ يحيله العقل أم يحار فيه بل يحار فيه، إنسان سوي ثم مسخ.
يذكر الإمام ابن كثير في تفسيره عند سورة أنه كان بعض الناس في مسجد نجران وعنده وسامة وجمال فقال له بعض الحاضرين: ما أجملك، يعني خلقة بهية خلقك الله عليها – فقال: أنت تتعجب من حسني! الله يتعجب من حسني، فبدأ يتصاغر أمام الناظرين وهم يرونه حتى صار طوله شبراً، فهذا ممكن أم مستحيل؟ ممكن لكن يحار فيه العقل.
لذلك يمكن أن تأتي الشريعة بمستحيل، فنقول هذا الشيء إما موجود وإما معدوم، ولكن هل يمكن أن يجتمعا؟ لا يمكن أن يجتمعا ولا أن يرتفعا، قال أئمتنا:
"عقول البشر قاطبة تقرر أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان" أي لا يمكن وجودهما ولا يمكن انتفاؤهما، بل لابد من وجود واحد منهما.