لذلك لا يجوز للمؤمن أن يقوم مقام تهمة أو أن يقف موقف ريبة، فمثلا ً إذا ذهب طالب العلم إلى مكان ريبة، ومكان فساد كشواطئ البحار ولكن ابتعد عن مكان الفساد وصد وجهه عن المفسدين فهذا في الحقيقة ليس عليه وزر أو إثم لكن لو رآه الناس موجوداً في هذا المكان لبدأوا باتهامه، ولو كان يجلس بعيداً لأن الناس لا تعذر، فكان الواجب على هذا الطالب أن لا يذهب إلى هذا المكان المحدد أو في هذا الوقت بل يحاول أن يتجنب مثل هذه الأوقات والأماكن حتى لا يتكلم عليه الناس ولا يتذرع العامة بفعله.

فمن أقام نفسه مقام ريبة وتهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقمن مقام تهمة وريبة – هذا ليس بحديث ولكن معناه صحيح – وقد وردت أحاديث بهذا المعنى منها في الصحيحين [فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه] ودلَّ عليه حديث في المستدرك وسنن الترمذي وغيره بسند صحيح عن عطية السعدي: [لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس] .

فيحتاط نبينا عليه الصلاة والسلام – وهو إمامنا في الاحتياط والورع – لم يمد يده إلى الخمر مع أنها طاهرة وحلال ومنعشة ونافعة سنشربها في الآخرة حتى لا يتذرع العامة بفعله إذا شربها.

وهذه الآنية عرضت على نبينا عليه الصلاة والسلام في بيت المقدس – كما ذكرنا – لدفع العطش وعرضت عليه فوق السموات العلا عند سدرة المنتهى من باب الضيافة والكرم، فلما رأى هذه الأنهار الأربعة تنبع من أصل سدرة المنتهى قدم له من كل نهر إناء فيه من ذلك النهر.

وحاله في السموات كحاله في الأرض فشرب من الماء قليلا ً، والعسل قليلا ً، واللبن تضلع منه وأما الخمر فما مد نبينا عليه الصلاة والسلام يده إليه أبداً.

ومن رأى نفسه في المنام وهو يشرب لبناً فليحمد الله، لأن هذه الرؤيا تدل على أمرين:

(1) أنه على الفطرة والدين المستقيم.

(2) أن الله سيمنحه العلم النافع العظيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015