خطب مختاره (صفحة 163)

فاجتمع همه على الله، وقرت عينه به، وأحس بقربه من الله قربًا لا نظير له ففزع قلبه له، وأقبل عليه بكليته، وهذا الإقبال منه بين إقبالين من ربه فإنه سبحانه أقبل عليه أولا فانجذب قلبه بإقباله، فلما أقبل على ربه حظي منه بإقبال آخر أتم من الأول.

وههنا عجيبة من عجائب الأسماء والصفات تحصل لمن تفقه قلبه في معاني القرآن وخالط بشاشة الإيمان بها قلبه بحيث يرى لكل اسم وصفة موضعًا من صلاته ومحلًا منها فإذا انتصب قائمًا بين يدي الرب تبارك وتعالى شاهد بقلبه قيوميته وإذا قال " الله أكبر " شاهد كبرياءه. وإذا قال: " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك "، شاهد بقلبه ربًا منزهًا عن كل عيب، سالمًا من كل نقص، محمودًا بكل حمد، فحمده يتضمن وصفه بكل كمال وذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك الله، فلا يذكر على قليل إلا كثره، ولا على خير إلا أنماه وبارك فيه، ولا على آفة إلا أذهبها، ولا على الشيطان إلا رده خاسئًا داحرًا، وكمال الاسم من كمال مسماه فإذا كان هذا شأن اسمه الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء فشأن المسمى أعلى وأجل، وتعالى جده أي ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة وعلا شأنه على كل شأن وقهر سلطانه كل سلطان فتعالى جده أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته أو في إلهيته أو في أفعاله أو في صفاته كما قال مؤمنو الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن: 3] فكم في هذه الكلمات من تجل لحقائق الأسماء والصفات على قلب العارف بها وغير المعطل لحقائقها، وإذا قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015