البشرية بعد حيرتها. فكان النعمة العظمى والمنحة الكبرى التي تفضل الله بها على خلقه. لقد ولد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - بمكة المشرفة عام الفيل في شهر ربيع الأول. وهو العام الذي أغار فيه ملك الحبشة على الكعبة يريد هدمها فصده الله عنها، وأنزل به وبجيشه أعظم عقوبة كما ذكر الله في الكتاب العزيز. فكان في ذلك حماية للبيت الحرام. وإرهاصًا لبعثة هذا النبي عليه الصلاة والسلام. شب - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - على الأخلاق الفاضلة والسيرة الحسنة وبعثه الله برسالته على رأس الأربعين من عمره. فبلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أنزل عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -: «تركتكم على المحجة البيضاء» . فأعاد للحنيفية السمحة ملة إبراهيم صفاءها وضياءها. وأماط عنها ما علق بها من أوضار الجاهلية وضلالاتها. وجمع الله به الأمة بعد شتاتها. ثم لحق بالرفيِق الأعلى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -.
عباد الله: إن واجبنا نحو هذه النعمة العظيمة أن نشكر الله عليها بالتمسك بها والجهاد في سبيلها والمحافظة عليها. وذلكم باتباع هذا الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - والاقتداء به وفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه. وأن نحبه أكثر مما نحب أنفسنا وأولادنا وآباءنا وأمهاتنا. لأن الخير كل الخير في اتباعه وطاعته. قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31] وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] ومحبته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - تقتضي طاعته واتباعه، وترك ما نهى عنه.