"الترشيح " يجد صدق هذه المقولات، بل يجد نفسه أمام عالم متبحر في النحو واللغة، شديد الثقة بنفسه، مع التواضع والتقدير للعلماء الآخرين، والقدرة على الموازنة والترجيح والاختيار. ولو قدر لنا أن نطلع على مصنفاته لاتضحت لنا جوانب أكثر إشراقا وعمقاً.

ويمكن أن نتناول منهجه في النحو من خلال الجوانب التالية:

مذهبه النحوي:

لم يصرخ خطّاب بمذهبه في النحو، ولكنه كان كثير الاستدلال بآراء النحاة البصريين، مما يدل على تقديره لهم، وميله إلى مذهبهم، ولعله صنف كتاب "الترشيح" في الردّ على دريود انتصارا لمذهب البصريين، ولكنه لم يكن متعصباً لهم، بل نلمح دائما شخصيته المتفردة، وقدرته على اختيار الرأي الراجح لديه، وهذه سمة عامة للنحو الأندلسي.

ومن الأمثلة على ميله إلى البصريين، ما جاء في أسلوب "لاحبذا" من نحو قولك: حبذا زيذ راكباً. قال أبو حيان 1: "اختلف النحاة في هذا المنصوب بعد (حبذا) ، فذهب الأخفش والفارسي والربعي وخطّاب وجماعة من البصريين إلى أنه منصوب على الحال لا غير، سواء أكان جامدا أم مشتقاً، وأجاز الكوفيون وبعض البصريين نصبه على التمييز.."

وكان خطّاب كثيرا ما يذكر سيبويه على سبيل الإعجاب والتقدير، ومن ذلك ما ذكره في حركة الحرف المضعّف المجزوم نحو: لم يردّ، ولم يعضّ، ولم يفرّ. قال 2: "ومن العرب من يكْسر هذا كلّه، ومنهم من يحركه بحركة ما قبله: لم يرُدُّ، ولم يعضَّ، ولم يفِرِّ، فإن اتصلت بهذا المضاعف هاء الإضمار للمؤنث فتحت في كل اللغات: لم يعضَّها، ولم يفرَّها، ولم يردَّها, وإن اتصلت به هاء الإضمار لمذكر ضممت في كل لغة فقلت: لم يردُّهُ، ولم يعضُّه، ولم يفرُّه. وهذا قول سيبويه وجلّة النحويين".

وقال فيما ينوب عن الفاعل من الظرف، وهو يردّ على دريود: "وقد أجاز سيبويه رحمه الله: سير عليه بكرةٌ، وغدوةٌ، ويومُ الجمعة.." 3.

ويبدو وعيه بآراء سيبويه في الرد على من ينسب رأياً لسيبويه وليس له، ومن ذلك أنه لا يجيز تقديم خبر ليس عليها، قال 4: "تقول: ليس عالماً زيدٌ، ولو قلت: عالماً ليس زيدٌ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015