فإنما يفرض لهم ما هو خير مما يريده الوالدون بالأولاد .. وكلا المعنيين مرتبطان ومتكاملان ..
إن اللّه هو الذي يوصي، وهو الذي يفرض، وهو الذي يقسم الميراث بين الناس - كما أنه هو الذي يوصي ويفرض في كل شيء، وكما أنه هو الذي يقسم الأرزاق جملة - ومن عند اللّه ترد التنظيمات والشرائع والقوانين، وعن اللّه يتلقى الناس في أخص شؤون حياتهم - وهو توزيع أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم - وهذا هو الدين. فليس هناك دين للناس إذا لم يتلقوا في شؤون حياتهم كلها من اللّه وحده وليس هناك إسلام، إذا هم تلقوا في أي أمر من هذه الأمور - جل أو حقر - من مصدر آخر. إنما يكون الشرك أو الكفر، وتكون الجاهلية التي جاء الإسلام ليقتلع جذورها من حياة الناس.
وإن ما يوصي به اللّه، ويفرضه، ويحكم به في حياة الناس - ومنه ما يتعلق بأخص شؤونهم، وهو قسمة أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم - لهو أبر بالناس وأنفع لهم، مما يقسمونه هم لأنفسهم، ويختارونه لذرياتهم .. فليس للناس أن يقولوا: إنما نختار لأنفسنا. وإنما نحن أعرف بمصالحنا .. فهذا - فوق أنه باطل - هو في الوقت ذاته توقح، وتبجح، وتعالم على اللّه، وادعاء لا يزعمه إلا متوقح جهول!
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ:" " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ " وَذَلِكَ لَمَّا نَزَلَتِ الْفَرَائِضُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ فِيهَا مَا فَرَضَ لِلْوَلَدِ الذِّكْرِ وَالأُنْثَى وَالأَبَوَيْنِ، كَرِهَهَا النَّاسُ أَوْ بَعْضُهُمْ، وَقَالُوا: نُعْطِي الْمَرْأَةَ الرُّبُعَ وَالثَّمَنَ، وَنُعْطِي الابْنَةَ النِّصْفَ، وَنُعْطِي الْغُلامَ الصَّغِيرَ، وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلاءِ أَحَدٌ يُقَاتِلُ الْقَوْمَ وَلا يَحُوزُ الْغَنِيمَةَ، اسْكُتُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْسَاهُ أَوْ نَقُولُ لَهُ فَيُغِيرَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنُعْطِي الْجَارِيَةَ نِصْفَ مَا تَرَكَ أَبُوهَا، وَلَيْسَتْ تَرْكَبُ الْفَرَسَ وَلا تُقَاتِلُ الْقَوْمَ، وَنُعْطِي الصَّبِيَّ الْمِيرَاثَ، وَلَيْسَ يَعْنِي شَيْئاً، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لا يُعْطُونَ الْمِيرَاثَ إِلا لِمَنْ قَاتَلَ الْقَوْمَ، وَيُعْطُونَهُ الأَكْبَرَ فَالأَكْبَرَ" ... رواه ابن أبي حاتم (?) ..