الخير، وقدّر أن يسلمها قيادة البشر، فكون منها الجماعة المسلمة، وأنشأ بها المجتمع المسلم. ذلك المجتمع الذي بلغ إلى القمة التي لم تبلغها البشرية قط، والتي ما تزال أملا للبشرية، يمكن أن تحاوله، حين يصح منها العزم على انتهاج الطريق.
وفي هذه السورة نجد بعض الملامح التي يتوخى المنهج الإسلامي إنشاءها وتثبيتها في المجتمع المسلم، بعد تطهيره من رواسب الجاهلية، وإنشاء الأوضاع والتشريعات التنفيذية، التي تكفل حماية هذه الملامح وتثبيتها في الواقع الاجتماعي.نجد في مستهلها تقريرا لحقيقة الربوبية ووحدانيتها، ولحقيقة الإنسانية ووحدة أصلها الذي أنشأها منه ربها، ولحقيقة قيامها على قاعدة الأسرة، واتصالها بوشيجة الرحم، مع استجاشة هذه الروابط كلها في الضمير البشري، واتخاذها ركيزة لتنظيم المجتمع الإسلامي على أساسها، وحماية الضعفاء فيه عن طريق التكافل بين الأسرة الواحدة، ذات الخالق الواحد، وحماية هذا المجتمع من الفاحشة والظلم والفتنة وتنظيم الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، والمجتمع الإنساني كله، على أساس وحدة الربوبية ووحدة البشرية: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» .. وهذه الحقيقة الكبيرة التي تتضمنها آية الافتتاح تمثل قاعدة أصيلة في التصور الإسلامي، تقوم عليها الحياة الجماعية. نرجو أن نعرض لها بالتفصيل في مكانها من سياق السورة. ونجد التشريعات العملية لتحقيق البناء التكافلي للجماعة مستندة إلى تلك الركيزة: في حماية اليتامى نجد التوجيه الموحي، والتحذير المخيف، والتشريع المحدد الأصول: «وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ، وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (آية 2) ..
وَابْتَلُوا الْيَتامى، حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً، وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا. وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ. وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» (آية 6) .. «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ. فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ، وَلْيَقُولُوا قَوْلًا