وهو يتعلق في نتيجة عمله وجهده بقدر اللّه ومشيئته. ولا حتمية في تصوره بين النتائج والأسباب. فهو لا يحتم أمرا بعينه على اللّه! وهنا في قضية النصر والخذلان، بوصفهما نتيجتين للمعركة - أية معركة - يرد المسلمين إلى قدر اللّه ومشيئته ويعلقهم بإرادة اللّه وقدرته: إن ينصرهم اللّه فلا غالب لهم. وإن يخذلهم فلا ناصر لهم من بعده .. وهي الحقيقة الكلية المطلقة في هذا الوجود. حيث لا قوة إلا قوة اللّه، ولا قدرة إلا قدرته، ولا مشيئة إلا مشيئته.
وعنها تصدر الأشياء والأحداث .. ولكن هذه الحقيقة الكلية المطلقة لا تعفي المسلمين من اتباع المنهج، وطاعة التوجيه، والنهوض بالتكاليف، وبذل الجهد، والتوكل بعد هذا كله على اللّه: «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» .. وبذلك يخلص تصور المسلم من التماس شيء من عند غير اللّه ويتصل قلبه مباشرة بالقوة الفاعلة في هذا الوجود فينفض يده من كل الأشباح الزائفة والأسباب الباطلة للنصرة والحماية والالتجاء ويتوكل على اللّه وحده في إحداث النتائج، وتحقيق المصاير، وتدبير الأمر بحكمته، وتقبل ما يجيء به قدر اللّه في اطمئنان أيا كان. إنه التوازن العجيب، الذي لا يعرفه القلب البشري إلا في الإسلام.
ثم يعود إلى الحديث عن النبوة وخصائصها الخلقية ليمد من هذا المحور خيوطا في التوجيه للأمانة، والنهي عن الغلول، والتذكير بالحساب، وتوفية النفوس دون إجحاف: «وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ. وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ. ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» ..
ولقد كان من بين العوامل التي جعلت الرماة يزايلون مكانهم من الجبل، خوفهم ألا يقسم لهم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - من الغنائم! كذلك كان بعض المنافقين قد تكلموا بأن بعض غنائم بدر من قبل قد اختفت ولم يستحوا أن يهمسوا باسمه - صلى الله عليه وسلم - في هذا المجال.
فهنا يأتي السياق بحكم عام ينفي عن الأنبياء عامة إمكان أن يغلوا .. أي أن يحتجزوا شيئا من الأموال والغنائم أو يقسموا لبعض الجند دون بعض، أو يخونوا إجمالا في شيء: «وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ»