وكان هذا كله رحمة من اللّه به وبأمته .. يذكرهم بها في هذا الموقف. ليرتب عليها ما يريده - سبحانه - لحياة هذه الأمة من تنظيم: «فَاعْفُ عَنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» ..
وبهذا النص الجازم: «وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» .. يقرر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم - حتى ومحمد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يتولاه. وهو نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي، لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه .. أما شكل الشورى، والوسيلة التي تتحقق بها، فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها. وكل شكل وكل وسيلة، تتم بها حقيقة الشورى - لا مظهرها - فهي من الإسلام.
لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة! فقد كان من جرائها ظاهريا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم! اختلفت الآراء. فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة محتمين بها، حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة. وتحمست مجموعة أخرى فرأت الخروج للقاء المشركين.
وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف. إذ عاد عبد اللّه بن أبي بن سلول بثلث الجيش، والعدو على الأبواب - وهو حدث ضخم وخلل مخيف - كذلك بدا أن الخطة التي نفذت لم تكن - في ظاهرها - أسلم الخطط من الناحية العسكرية. إذ أنها كانت مخالفة «للسوابق» في الدفاع عن المدينة - كما قال عبد اللّه ابن أبي - وقد اتبع المسلمون عكسها في غزوة الأحزاب التالية، فبقوا فعلا في المدينة، وأقاموا الخندق، ولم يخرجوا للقاء العدو. منتفعين بالدرس الذي تلقوه في أحد! ولم يكن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج.
فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة، التي رآها، والتي يعرف مدى صدقها. وقد تأولها قتيلا من أهل بيته، وقتلى من صحابته، وتأول المدينة درعا حصينة .. وكان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى .. ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام