لا يتضمن حكما مطلقا نهائيا في الباب، وأن الأحكام النهائية نزلت فيما بعد في سورة براءة. إنما أمر اللّه رسوله أن يقبل مسالمة وموادعة ذلك الفريق الذي اعتزله فلم يقاتله سواء كان قد تعاهد، أو لم يتعاهد معه حتى ذلك الحين. وأنه ظل يقبل السلم من الكفار وأهل الكتاب حتى نزلت أحكام سورة براءة. فلم يعد يقبل إلا الإسلام أو الجزية - وهذه هي حالة المسالمة التي تقبل ما استقام أصحابها على عهدهم - أو هو القتال ما استطاع المسلمون هذا ليكون الدين كله للّه.

ولقد استطردت - بعض الشيء- في هذا البيان وذلك لجلاء الشبهة الناشئة من الهزيمة الروحية والعقلية التي يعانيها الكثيرون ممن يكتبون عن «الجهاد في الإسلام» فيثقل ضغط الواقع الحاضر على أرواحهم وعقولهم ويستكثرون على دينهم - الذي لا يدركون حقيقته - أن يكون منهجه الثابت هو مواجهة البشرية كلها بواحدة من ثلاث: الإسلام، أو الجزية، أو القتال، وهم يرون القوى الجاهلية كلها تحارب الإسلام وتناهضه وأهله - الذين ينتسبون إليه وهم لا يدركون حقيقته ولا يشعرون بها شعورا جديا - ضعاف أمام جحافل أتباع الديانات والمذاهب الأخرى كما يرون طلائع العصبة المسلمة الحقة قلة بل ندرة ولا حول لهم في الأرض ولا قوة .. وعندئذ يعمد أولئك الكتاب إلى ليّ أعناق النصوص ليؤولوها تأويلا يتمشى مع ضغط الواقع وثقله ويستكثرون على دينهم أن يكون هذا منهجه وخطته! إنهم يعمدون إلى النصوص المرحلية، فيجعلون منها نصوصا نهائية وإلى النصوص المقيدة بحالات خاصة، فيجعلون منها نصوصا مطلقة الدلالة حتى إذا وصلوا إلى النصوص النهائية المطلقة أوّلوها وفق النصوص المقيدة المرحلية! وذلك كله كي يصلوا إلى أن الجهاد في الإسلام هو مجرد عملية دفاع عن أشخاص المسلمين، وعن دار الإسلام عند ما تهاجم! وأن الإسلام يتهالك على أي عرض للمسالمة. والمسالمة معناها مجرد الكف عن مهاجمة دار الإسلام! إن الإسلام - في حسهم - يتقوقع، أو يجب أن يتوقع داخل حدوده - في كل وقت - وليس له الحق أن يطالب الآخرين باعتناقه، ولا بالخضوع لمنهج اللّه، اللهم إلا بكلمة أو نشرة أو بيان! أما القوة المادية - الممثلة في سلطان الجاهلية على الناس - فليس للإسلام أن يهاجمها إلا أن تهاجمه، فيتحرك حينئذ للدفاع! ولو أراد هؤلاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015