الواقعية حتى يكتمل نظريا في نفس الوقت الذي يكتمل فيه واقعيا ولا ينفصل في صورة نظرية بل يظل ممثلا في الصورة الواقعية ..
وكل نمو نظري يسبق النمو الحركي الواقعي، ولا يتمثل من خلاله، هو خطأ وخطر كذلك بالقياس إلى طبيعة هذا الدين، وغايته، وطريقة تركيبه الذاتي.
واللّه سبحانه يقول: «وَقُرْآناً فَرَقْناهُ، لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ، وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا» ..
فالفرق مقصود. والمكث مقصود كذلك .. ليتم البناء التكويني المؤلف من عقيدة في صورة «منظمة حية» لا في صورة «نظرية معرفية»!
يجب أن يعرف أصحاب هذا الدين جيدا، أنه كما أن هذا الدين دين رباني، فإن منهجه في العمل منهج رباني كذلك، متواف مع طبيعته. وأنه لا يمكن فصل حقيقة هذا الدين عن منهجه في العمل.
ويجب أن يعرفوا كذلك أن هذا الدين كما أنه جاء ليغير التصور الاعتقادي - ومن ثم يغير الواقع الحيوي - فكذلك هو قد جاء ليغير المنهج الفكري والحركي الذي يبني به التصور الاعتقادي ويغير به الواقع الحيوي ..
جاء ليبني عقيدة وهو يبني أمة .. ثم لينشئ منهج تفكير خاصا به بنفس الدرجة التي ينشئ بها تصورا اعتقاديا وواقعا حيويا. ولا انفصال بين منهج تفكيره الخاص وتصوره الاعتقادي وبنائه الحيوي، فكلها حزمة واحدة.
فإذا عرفنا منهجه في العمل على النحو الذي بيناه، فلنعرف أن هذا المنهج أصيل وليس منهج مرحلة ولا بيئة ولا ظروف خاصة بنشأة الجماعة المسلمة الأولى. إنما هو المنهج الذي لا يقوم بناء هذا الدين إلا به.
إنه لم تكن وظيفة الإسلام أن يغير عقيدة الناس وواقعهم فحسب. ولكن كانت وظيفته أن يغير طريقة تفكيرهم، وتناولهم للتصور وللواقع. ذلك أنه منهج رباني مخالف في طبيعته كلها لمناهج البشر القاصرة الهزيلة.