يعنت رسوله والمؤمنين معه .. إنما هو - سبحانه - يعلم أن ليس هذا هو الطريق .. ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي .. إلى يد طاغوت عربي ..
فالطاغوت كله طاغوت! ..
إن الأرض للّه، ويجب أن تخلص للّه. ولا تخلص للّه إلّا أن ترتفع عليها راية: «لا إله إلا اللّه» .. وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو طاغوت فارسي.
إلى طاغوت عربي .. فالطاغوت كله طاغوت! إن الناس عبيد للّه وحده، ولا يكونون عبيدا للّه وحده إلا أن ترتفع راية: «لا إله إلا اللّه» .. «لا إله إلا اللّه» كما كان يدركها العربي العارف بمدلولات لغته: لا حاكمية إلا للّه، ولا شريعة إلا من اللّه، ولا سلطان لأحد على أحد، لأن السلطان كله للّه .. ولأن الجنسية التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة، التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية اللّه. وهذا هو الطريق ..
وبعث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدين، والمجتمع العربي كأسوأ ما يكون المجتمع توزيعا للثروة والعدالة .. قلة قليلة تملك المال والتجارة وتتعامل بالربا فتضاعف تجارتها ومالها. وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشظف والجوع .. والذين يملكون الثروة يملكون معها الشرف والمكانة وجماهير كثيفة ضائعة من المال والمجد جميعا! وكان في استطاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يرفعها راية اجتماعية وأن يثيرها حربا على طبقة الأشراف وأن يطلقها دعوة تستهدف تعديل الأوضاع ورد أموال الأغنياء على الفقراء! ولو دعا يومها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - هذه الدعوة، لا نقسم المجتمع العربي صفين: الكثرة الغالبة فيه مع الدعوة الجديدة، في وجه طغيان المال والشرف. بدلا من أن يقف المجتمع كله صفا في وجه: «لا إله إلا اللّه» التي لم يرتفع إلى أفقها في ذلك الحين إلا الأفذاذ من الناس.
وربما قيل: إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان خليقا بعد أن تستجيب له الكثرة وتوليه قيادها فيغلب بها القلة ويسلس له مقادها .. أن يستخدم مكانه يومئذ وسلطانه في إقرار عقيدة التوحيد