فلا بد إذن من ميزان ثابت نرجع إليه بالأعمال , ولا بد من قيم معترف بها نقيس إليها المعروف والمنكر.فمن أين نستمد هذه القيم ? ومن أين نأتي بهذا الميزان ?
من تقديرات الناس وعرفهم وأهوائهم وشهواتهم - وهي متقلبة لا تثبت على حال ? إننا ننتهي إذن إلى متاهة لا دليل فيها , وإلى خضم لا معالم فيه!
فلا بد ابتداء من إقامة الميزان .. ولا بد أن يكون هذا الميزان ثابتا لا يتأرجح مع الأهواء ..
هذا الميزان الثابت هو ميزان الله ..
فماذا إذا كان المجتمع لا يعترف - ابتداء - بسلطان الله ? ماذا إذا كان لا يتحاكم إلى شريعة الله ? بل ماذا إذا كان يسخر ويهزأ ويستنكر وينكل بمن يدعوه إلى منهج الله ?
ألا يكون جهدا ضائعا , وعبثا هازلا , أن تقوم في مثل هذا المجتمع لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر , في جزئيات وجانبيات من شئون الحياة , تختلف عليها الموازين والقيم , وتتعارض فيها الآراء والأهواء ?!
إنه لا بد من الاتفاق مبدئيا على حكم , وعلى ميزان , وعلى سلطان , وعلى جهة يرجع إليها المختلفون في الآراء والأهواء ..
لا بد من الأمر بالمعروف الأكبر وهو الاعتراف بسلطان الله ومنهجه للحياة.والنهي عن المنكر الأكبر وهو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة .. وبعد إقامة الأساس يمكن أن يقام البنيان! فلتوفر الجهود المبعثرة إذن , ولتحشد كلها في جبهة واحدة , لإقامة الأساس الذي عليه وحده يقام البنيان!
وإن الإنسان ليرثي أحيانا ويعجب لأناس طيبين , ينفقون جهدهم في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في الفروع ; بينما الأصل الذي تقوم عليه حياة المجتمع المسلم ; ويقوم عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , مقطوع!
فما غناء أن تنهي الناس عن أكل الحرام مثلا في مجتمع يقوم اقتصاده كله على الربا ; فيستحيل ماله كله حراما ; ولا يملك فرد فيه أن يأكل من حلال .. لأن نظامه الاجتماعي والاقتصادي كله لا يقوم على شريعة الله.لأنه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة ?!