مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي، إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ... (رواه مسلم) (?)
وعلى هذا الأساس ينبغي أن ندرك وظيفة الإيمان والتقوى والعبادة وإقامة منهج اللّه في الحياة والحكم بشريعة اللّه .. فهي كلها لحسابنا نحن .. لحساب هذه البشرية .. في الدنيا والآخرة جميعا .. وهي كلها ضروريات لصلاح هذه البشرية في الدنيا والآخرة جميعا ..
ونحسب أننا لسنا في حاجة لأن نقول: إن هذا الشرط الإلهي لأهل الكتاب غير خاص بأهل الكتاب. فالشرط لأهل الكتاب يتضمن الإيمان والتقوى وإقامة منهج اللّه المتمثل في ما أنزل إليهم في التوراة والإنجيل. وما أنزل إليهم من ربهم - وذلك بطبيعة الحال قبل البعثة الأخيرة - فأولى بالشرط الذين أنزل إليهم القرآن .. أولى بالشرط الذين يقولون: إنهم مسلمون .. فهؤلاء هم الذين يتضمن دينهم بالنص: الإيمان بما أنزل إليهم وما أنزل من قبل، والعمل بكل ما أنزل إليهم وما استبقاه اللّه في شرعهم من شرع من قبلهم .. وهم أصحاب الدين الذي لا يقبل اللّه غيره من أحد .. وقد انتهى إليه كل دين قبله ولم يعد هناك دين يقبله اللّه غيره .. أو يقبل من أحد غيره. فهؤلاء أولى أن يكون شرط اللّه وعهده لهم .. وهؤلاء أولى أن يرتضوا ما ارتضاه اللّه منهم، وأن يستمتعوا بما يشرطه اللّه لهم من تكفير السيئات ودخول الجنة في الآخرة ومن الأكل من فوقهم ومن تحت أرجلهم في الدنيا .. إنهم أولى أن يستمتعوا بما يشرطه اللّه لهم بدلا من الجوع والمرض والخوف والشظف الذي يعيشون فيه في كل أرجاء الوطن الإسلامي - أو الذي كان إسلاميا بتعبير أصح - وشرط اللّه قائم والطريق إليه معروف .. لو كانوا يعقلون .. (?)