وهي صفة مأخوذة من الطواعية واليسر واللين .. فالمؤمن ذلول للمؤمن .. غير عصيّ عليه ولا صعب.
هين لين .. ميسر مستجيب .. سمح ودود .. وهذه هي الذلة للمؤمنين.
وما في الذلة للمؤمنين من مذلة ولا مهانة. إنما هي الأخوة، ترفع الحواجز، وتزيل التكلف وتخلط النفس بالنفس، فلا يبقى فيها ما يستعصي وما يحتجز دون الآخرين.
إن حساسية الفرد بذاته متحوصلة متحيزة هي التي تجعله شموسا عصيا شحيحا على أخيه. فأما حين يخلط نفسه بنفوس العصبة المؤمنة معه، فلن يجد فيها ما يمنعه وما يستعصي به .. وماذا يبقى له في نفسه دونهم، وقد اجتمعوا في اللّه إخوانا يحبهم ويحبونه، ويشيع هذا الحب العلوي بينهم ويتقاسمونه؟!
«أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ» .. فيهم على الكافرين شماس وإباء واستعلاء .. ولهذه الخصائص هنا موضع .. إنها ليست العزة للذات، ولا الاستعلاء للنفس. إنما هي العزة للعقيدة، والاستعلاء للراية التي يقفون تحتها في مواجهة الكافرين. إنها الثقة بأن ما معهم هو الخير، وأن دورهم هو أن يطوعوا الآخرين للخير الذي معهم لا أن يطوعوا الآخرين لأنفسهم ولا أن يطوعوا أنفسهم للآخرين وما عند الآخرين! ثم هي الثقة بغلبة دين اللّه على دين الهوى وبغلبة قوة اللّه على تلك القوى وبغلبة حزب اللّه على أحزاب الجاهلية .. فهم الأعلون حتى وهم ينهزمون في بعض المعارك، في أثناء الطريق الطويل ..
«يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ» .. فالجهاد في سبيل اللّه، لإقرار منهج اللّه في الأرض، وإعلان سلطانه على البشر، وتحكيم شريعته في الحياة، لتحقيق الخير والصلاح والنماء للناس .. هي صفة العصبة المؤمنة التي يختارها اللّه ليصنع بها في الأرض ما يريد ..
وهم يجاهدون في سبيل اللّه لا في سبيل أنفسهم ولا في سبيل قومهم ولا في سبيل وطنهم ولا في سبيل جنسهم .. في سبيل اللّه. لتحقيق منهج اللّه، وتقرير سلطانه، وتنفيذ شريعته، وتحقيق الخير للبشر عامة عن هذا الطريق .. وليس لهم في هذا الأمر شيء، وليس لأنفسهم من هذا حظ، إنما هو للّه وفي سبيل اللّه بلا شريك ..