قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ. بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ. وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ، يَقُولُونَ: نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ. فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ؟ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ، فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ» ..
ويحسن أن نبين أولا معنى الولاية التي ينهى اللّه الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى ..
إنها تعني التناصر والتحالف معهم. ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم. فبعيد جدا أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين. إنما هو ولاء التحالف والتناصر، الذي كان يلتبس على المسلمين أمره، فيحسبون أنه جائز لهم، بحكم ما كان واقعا من تشابك المصالح والأواصر، ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام، وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة، حتى نهاهم اللّه عنه وأمر بإبطاله. بعد ما تبين عدم إمكان قيام الولاء والتحالف والتناصر بين المسلمين واليهود في المدينة ..
وهذا المعنى معروف محدد في التعبيرات القرآنية. وقد جاء في صدد الكلام عن العلاقة بين المسلمين في المدينة والمسلمين الذين لم يهاجروا إلى دار الإسلام. فقال اللّه سبحانه: «ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا» .. وطبيعي أن المقصود هنا ليس الولاية في الدين. فالمسلم ولي المسلم في الدين على كل حال. إنما المقصود هو ولاية التناصر والتعاون. فهي التي لا تقوم بين المسلمين في دار الإسلام والمسلمين الذين لم يهاجروا إليهم .. وهذا اللون من الولاية هو الذي تمنع هذه الآيات أن يقوم بين الذين آمنوا وبين اليهود والنصارى بحال، بعد ما كان قائما بينهم أول العهد في المدينة.
إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء، واتخاذهم أولياء شيء آخر، ولكنها يختلطان على بعض المسلمين، الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين