- سبحانه - أن يحسم في هذا الأمر، وأن يقطع الطريق على الرغبة البشرية الخفية في التساهل مراعاة للاعتبارات والظروف، وتأليفا للقلوب حين تختلف الرغبات والأهواء.
فقال لنبيه: إن اللّه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة ولكنه جعل لكل منهم طريقا ومنهاجا وجعلهم مبتلين مختبرين فيما آتاهم من الدين والشريعة، وما آتاهم في الحياة كلها من عطايا. وأن كلا منهم يسلك طريقه ثم يرجعون كلهم إلى اللّه، فينبئهم بالحقيقة، ويحاسبهم على ما اتخذوا من منهج وطريق .. وأنه إذن لا يجوز أن يفكر في التساهل في شيء من الشريعة لتجميع المختلفين في المشارب والمناهج .. فهم لا يتجمعون: «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً. وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ. فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ. إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً. فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».
بذلك أغلق اللّه - سبحانه - مداخل الشيطان كلها وبخاصة ما يبدو منها خيرا وتأليفا للقلوب وتجميعا للصفوف بالتساهل في شيء من شريعة اللّه في مقابل إرضاء الجميع! أو في مقابل ما يسمونه وحدة الصفوف!
إن شريعة اللّه أبقى وأغلى من أن يضحى بجزء منها في مقابل شيء قدر اللّه ألا يكون! فالناس قد خلقوا ولكل منهم استعداد، ولكل منهم مشرب، ولكل منهم منهج، ولكل منهم طريق. ولحكمة من حكم اللّه خلقوا هكذا مختلفين.
وقد عرض اللّه عليهم الهدى وتركهم يستبقون. وجعل هذا ابتلاء لهم يقوم عليه جزاؤهم يوم يرجعون إليه، وهم إليه راجعون وإنها لتعلة باطلة إذن، ومحاولة فاشلة، أن يحاول أحد تجميعهم على حساب شريعة اللّه، أو بتعبير آخر على حساب صلاح الحياة البشرية وفلاحها. فالعدول أو التعديل في شريعة اللّه لا يعني شيئا إلا الفساد في الأرض، وإلا الانحراف عن المنهج الوحيد القويم، وإلا انتفاء العدالة في حياة البشر، وإلا عبودية الناس بعضهم لبعض، واتخاذ بعضهم لبعض أربابا من دون اللّه .. وهو شر عظيم وفساد عظيم .. لا يجوز ارتكابه في محاولة عقيمة لا تكون لأنها غير ما قدره اللّه في طبيعة البشر ولأنها مضادة للحكمة التي من أجلها قدر ما قدر من اختلاف المناهج والمشارع، والاتجاهات والمشارب .. وهو خالق وصاحب الأمر الأول فيهم والأخير. وإليه المرجع والمصير ..