إلى معارج الارتفاع بكليته .. الإسلام وهذه نظرته يلبي دفعة اللحم والدم. وينسم عليها هذه النسمة اللطيفة، ويدثرها بهذا الدثار اللطيف .. في آن .. ويكشف لهم عن خبيئة مشاعرهم، وهو يكشف لهم عن رحمته بالاستجابة لهواتف فطرتهم: «عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ. فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ» ..
وهذه الخيانة لأنفسهم التي يحدثهم عنها، تتمثل في الهواتف الحبيسة، والرغبات المكبوتة أو تتمثل في الفعل ذاته، وقد ورد أن بعضهم أتاه .. وفي كلتا الحالتين لقد تاب عليهم وعفا عنهم، مذ ظهر ضعفهم وعلمه اللّه منهم .. فأباح لهم ما كانوا يختانون فيه أنفسهم: «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ» .. ولكن هذه الإباحة لا تمضي دون أن تربط باللّه، ودون توجيه النفوس في هذا النشاط للّه أيضا: «وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» .. ابتغوا هذا الذي كتبه اللّه لكم من المتعة بالنساء، ومن المتعة بالذرية، ثمرة المباشرة. فكلتا هما من أمر اللّه، ومن المتاع الذي أعطاكم إياه، ومن إباحتها وإباحتها يباح لكم طلبها وابتغاؤها. وهي موصولة باللّه فهي من عطاياه. ومن ورائها حكمة، ولها في حسابه غاية. فليست إذن مجرد اندفاع حيواني موصول بالجسد، منفصل عن ذلك الأفق الأعلى الذي يتجه إليه كل نشاط.
بهذا ترتبط المباشرة بين الزوجين بغاية أكبر منهما، وأفق أرفع من الأرض ومن لحظة اللذة بينهما. وبهذا تنظف هذه العلاقة وترق وترقى .. ومن مراجعة مثل هذه الإيحاءات في التوجيه القرآني وفي التصور الإسلامي ندرك قيمة الجهد المثمر الحكيم الذي يبذل لترقية هذه البشرية وتطويرها، في حدود فطرتها وطاقتها وطبيعة تكوينها. وهذا هو المنهج الإسلامي للتربية والاستعلاء والنماء. المنهج الخارج من يد الخالق. وهو أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير. (?)