فأما حين تجف القلوب، فلا تطيق هذه الصلة ولا يبقى في نفوس الزوجين ما تستقيم معه الحياة، فالتفرق إذن خير. لأن الإسلام لا يمسك الأزواج بالسلاسل والحبال، ولا بالقيود والأغلال إنما يمسكهم بالمودة والرحمة أو بالواجب والتجمل. فإذا بلغ الحال أن لا تبلغ هذه الوسائل كلها علاج القلوب المتنافرة، فإنه لا يحكم عليها أن تقيم في سجن من الكراهية والنفرة أو في رباط ظاهري وانفصام حقيقي!
«وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ. وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً» .. فاللّه يعد كلا منهما أن يغنيه من فضله هو، ومما عنده هو وهو - سبحانه - يسع عباده ويوسع عليهم بما يشاء في حدود حكمته وعلمه بما يصلح لكل حال.
إن دراسة هذا المنهج، وهو يعالج مشاعر النفوس، وكوامن الطباع، وأوضاع الحياة في واقعيتها الكلية تكشف عن عجب لا ينقضي، من تنكر الناس لهذا المنهج .. هذا المنهج الميسر، الموضوع للبشر، الذي يقود خطاهم من السفح الهابط، في المرتقى الصاعد، إلى القمة السامقة وفق فطرتهم واستعداداتهم ولا يفرض عليهم أمرا من الارتفاع والتسامي، إلا وله وتر في فطرتهم يوقع عليه وله استعداد في طبيعتهم يستجيشه وله جذر في تكوينهم يستنبته .. ثم هو يبلغ بهم - بعد هذا كله - إلى ما لا يبلغه بهم منهج آخر .. في واقعية مثالية. أو مثالية واقعية .. هي صورة طبق الأصل من تكوين هذا الكائن الفريد (?).