قال تعالى: «وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ. الَّذِينَ يَقُولُونَ: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها، وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً؟» ..
وكيف تقعدون عن القتال في سبيل اللّه واستنقاذ هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان؟ هؤلاء الذين ترتسم صورهم في مشهد مثير لحمية المسلم، وكرامة المؤمن، ولعاطفة الرحمة الإنسانية على الإطلاق؟
هؤلاء الذين يعانون أشد المحنة والفتنة لأنهم يعانون المحنة في عقيدتهم، والفتنة في دينهم. والمحنة في العقيدة أشد من المحنة في المال والأرض والنفس والعرض، لأنها محنة في أخص خصائص الوجود الإنساني، الذي تتبعه كرامة النفس والعرض، وحق المال والأرض! ومشهد المرأة الكسيرة والولد الضعيف، مشهد مؤثر مثير. لا يقل عنه مشهد الشيوخ الذين لا يملكون أن يدفعوا - وبخاصة حين يكون الدفع عن الدين والعقيدة - وهذا المشهد كله معروض في مجال الدعوة إلى الجهاد.
وهو وحده يكفي. لذلك يستنكر القعود عن الاستجابة لهذه الصرخات .. وهو أسلوب عميق الوقع، بعيد الغور في مسارب الشعور والإحساس.
ولا بد من لفتة هنا إلى التصور الإسلامي للبلد والأرض والوطن: إن «هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها» التي يعدها الإسلام - في موضعها ذاك - دار حرب، يجب أن يقاتل المسلمون لاستنقاذ المسلمين المستضعفين منها، هي «مكة» وطن المهاجرين، الذين يدعون هذه الدعوة الحارة إلى قتال المشركين فيها. ويدعو المسلمون المستضعفون هذه الدعوة الحادة للخروج منه!
إن كونها بلدهم لم يغير وضعها في نظر الإسلام - حين لم تقم فيها شريعة اللّه ومنهجه وحين فتن فيها المؤمنون عن دينهم، وعذبوا في عقيدتهم .. بل اعتبرت بالنسبة لهم هم أنفسهم «دار حرب» .. دار حرب، هم لا يدافعون عنها، وليس هذا فحسب بل هم