بالشرك والانحراف عن التوحيد الخالص، الذي عليه دينهم، واللّه لا يغفر أن يشرك به .. وفي الوقت ذاته بيان عام لحدود المغفرة الواسعة وبشاعة الشرك حتى إنه ليخرج من هذه الحدود: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا، مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها، أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ .. وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ - وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً» ..

إنه نداء لهم بالصفة التي كان من شأنها أن يكونوا أول المستجيبين وبالسبب الذي كان من شأنه أن يكونوا أول المسلمين: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، آمِنُوا بِما نَزَّلْنا، مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ» ..

فهم أوتوا الكتاب، فليس غريبا عليهم هذا الهدى. واللّه الذي آتاهم الكتاب هو الذي يدعوهم إلى الإيمان بما أنزل مصدقا لما معهم. فليس غريبا عليهم كذلك. وهو مصدق لما معهم ..

ولو كان الإيمان بالبينة. أو بالأسباب الظاهرة. لآمنت يهود أول من آمن. ولكن يهود كانت لها مصالح ومطامح. وكانت لها أحقاد وعناد. وكانت هي بطبعها منحرفة صلبة الرقبة .. كما تعبر عنهم التوراة بأنهم: «شعب صلب الرقبة!».ومنثم لم تؤمن. ومن ثم يجيئها التهديد العنيف القاسي: «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها. أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ. وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا» ..

وطمس الوجوه إزالة معالمها المميزة لآدميتها وردها على أدبارها، دفعها لأن تمشي القهقرى .. وقد يكون المقصود هو التهديد بمعناه المادي الذي يفقدهم آدميتهم ويردهم يمشون على أدبارهم ويكون كذلك اللعن الذي أصاب أصحاب السبت (وهم الذين احتالوا على صيد السمك يوم السبت، وهو محرم عليهم في شريعتهم) هو مسخهم بالفعل قردة وخنازير .. كما قد يكون المقصود طمس معالم الهدى والبصيرة في نفوسهم، وردهم إلى كفرهم وجاهليتهم، قبل أن يؤتيهم اللّه الكتاب. والكفر بعد الإيمان، والهدى بعد الضلال، طمس للوجوه والبصائر، وارتداد على الأدبار دونه كل ارتداد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015