«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ، يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ، وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ، وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا، وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً. مِنَ الَّذِينَ هادُوا، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ. وَيَقُولُونَ: سَمِعْنا وَعَصَيْنا، وَاسْمَعْ - غَيْرَ مُسْمَعٍ - وَراعِنا. لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَطَعْناً فِي الدِّينِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا، وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ. وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ، فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا» ..

إنه التعجيب الأول - من سلسلة التعجيبات الكثيرة - من موقف أهل الكتاب - من اليهود - يوجه الخطاب فيه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو إلى كل من يرى هذا الموقف العجيب المستنكر:

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ .. يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ. وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ» ..

لقد كان من شأن أن يؤتوا نصيبا من الكتاب .. الهداية .. فقد آتاهم اللّه التوراة، على يدي موسى عليه السلام، لتكون هداية لهم من ضلالتهم الأولى .. ولكنهم يدعون هذا النصيب. يدعون الهداية. ويشترون الضلالة! والتعبير بالشراء يعني القصد والنية في المبادلة! ففي أيديهم الهدى ولكنهم يتركونه ويأخذون الضلالة. فكأنما هي صفقة عن علم وعن قصد وعمد. لا عن جهل أو خطأ أو سهو! وهو أمر عجيب مستنكر، يستحق التعجيب منه والاستنكار.

ولكنهم لا يقفون عند هذا الأمر العجيب المستنكر. بل هم يريدون أن يضلوا المهتدين. يريدون أن يضلوا المسلمين .. بشتى الوسائل وشتى الطرق. التي سبق ذكرها في سورتي البقرة وآل عمران والتي سيجيء طرف منها في هذه السورة كذلك .. فهم لا يكتفون بضلال أنفسهم الذي يشترونه بل يحاولون طمس معالم الهدى من حولهم حتى لا يكون هناك هدى ولا مهتدون! وفي هذه اللمسة: الأولى، والثانية، تنبيه للمسلمين وتحذير من ألاعيب اليهود وتدبيرهم .. ويا له من تدبير! وإثارة كذلك لنفوس المسلمين ضد الذين يريدون لهم الضلالة بعد الهدى. وقد كان المسلمون يعتزون بهذا الهدى ويعادون من يحاول ردهم عنه إلى جاهليتهم التي عرفوها وعرفوا الإسلام. فكرهوها وأحبوا الإسلام! وكرهوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015