فقول: إن المقصود هو عدم قرب المساجد، أو المكث فيها، لمن كان جنبا، حتى يغتسل. إلا أن يكون عابرا بالمسجد مجرد عبور. وقد كان جماعة من الصحابة أبواب بيوتهم تفتح في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو طريقهم من وإلى هذه البيوت. فرخص لهم في المرور - وهم جنب - لا بالمكث في المسجد - ولا الصلاة بطبيعة الحال - إلا بعد الاغتسال.
وقول: إن المقصود هو الصلاة ذاتها. والنهي عن أدائها للجنب - إلا بعد الاغتسال - ما لم يكن مسافرا.
فيحل له عندئذ أن يقصد المسجد وأن يصلي - بلا اغتسال - ولكن بالتيمم. الذي يسد مسد الغسل - عندئذ - كما يسد مسد الوضوء ..
والقول الأول يبدو أظهر وأوجه. لأن الحالة الثانية - حالة السفر - ذكرت في الآية نفسها بعد ذلك. فتفسير عابري سبيل - بالمسافرين، ينشىء تكرارا للحكم في الآية الواحدة، لا ضرورة له: «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى، أَوْ عَلى سَفَرٍ، أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ، أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ - فَلَمْ تَجِدُوا ماءً - فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً. فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً» ..
فهذا النص يشمل حالة المسافر - عند ما يصيبه حدث أكبر فيكون جنبا في حاجة إلى الغسل أو حدث أصغر، فيكون في حاجة إلى الوضوء، لأداء الصلاة.
والنص يسويه في هذه الحالة بمن كان مريضا، فألم به حدث أكبر أو أصغر. أو بمن جاء من الغائط (والغائط مكان منخفض كانوا يقضون حاجتهم فيه، فكنى عن الفعل بالمجيء من مكان الفعل) فأصابه حدث أصغر يقتضي الوضوء. أو بمن لامس النساء ..
وفي «لامستم النساء» .. أقوال كذلك:
قول: إنه كناية عن الجماع .. فهو يستوجب الغسل. وقول: إنه يعني حقيقة اللمس .. لمس أي جزء من جسم الرجل لجسم المرأة .. وهو يستوجب الوضوء في بعض المذاهب، ولا يستوجبه في بعضها. بتفصيلات تطلب في كتب الفروع نذكر منها إجمالا:
«أ» اللمس يوجب الوضوء إطلاقا.