ومج الذين كان في أفواههم جرعات من الخمر ما في أفواههم - حين سمعوا ولم يبلعوها وهي في أفواههم. وهم شاربون ..
لقد انتصر القرآن. وأفلح المنهج. وفرض سلطانه - دون أن يستخدم السلطان!!! ولكن كيف كان هذا؟ كيف تمت هذه المعجزة، التي لا نظير لها في تاريخ البشر ولا مثيل لها في تاريخ التشريعات والقوانين والإجراءات الحكومية في أي مكان، ولا في أي زمان؟
لقد تمت المعجزة، لأن المنهج الرباني، أخذ النفس الإنسانية، بطريقته الخاصة .. أخذها بسلطان اللّه وخشيته ومراقبته، وبحضور اللّه - سبحانه - فيها حضورا لا تملك الغفلة عنه لحظة من زمان .. أخذها جملة لا تفاريق .. وعالج الفطرة بطريقة خالق الفطرة ..
لقد ملأ فراغها باهتمامات كبيرة لا تدع فيها فراغا تملؤه بنشوة الخمر، وخيالات السكر، وما يصاحبها من مفاخرات وخيلاء .. في الهواء .. ملأ فراغها باهتمامات. منها: نقل هذه البشرية الضالة الشاردة كلها، من تيه الجاهلية الأجرد، وهجيرها المتلظى، وظلامها الدامس، وعبوديتها المذلة، وضيقها الخانق، إلى رياض الإسلام البديعة، وظلاله الندية، ونوره الوضيء،وحريته الكريمة، وسعته التي تشمل الدنيا والآخرة! وملأ فراغها - وهذا هو الأهم - بالإيمان. بهذا الإحساس الندي الرضي الجميل البهيج. فلم تعد في حاجة إلى نشوة الخمر، تحلق بها في خيالات كاذبة وسمادير! وهي ترف بالإيمان المشع إلى الملأ الأعلى الوضيء .. وتعيش بقرب اللّه ونوره وجلاله .. وتذوق طعم هذا القرب، فتمج طعم الخمر ونشوتها وترفض خمارها وصداعها وتستقذر لوثتها وخمودها في النهاية! إنه استنقذ الفطرة من ركام الجاهلية وفتحها بمفتاحها، الذي لا تفتح بغيره وتمشى في حناياها وأوصالها وفي مسالكها ودروبها .. ينشر النور، والحياة، والنظافة، والطهر، واليقظة، والهمة، والاندفاع للخير الكبير والعمل الكبير، والخلافة في الأرض، على أصولها، التي قررها العليم الخبير، وعلى عهد اللّه وشرطه، وعلى هدى ونور
إن الخمر - كالميسر. كبقية الملاهي. كالجنون بما يسمونه «الألعاب الرياضية» والإسراف في الاهتمام بمشاهدها .. كالجنون بالسرعة .. كالجنون بالسينما .. كالجنون «بالمودات» «والتقاليع» .. كالجنون بمصارعة الثيران .. كالجنون ببقية التفاهات التي تغشى حياة