قال تعالى: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ - عَلى حُبِّهِ - ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ، وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ .. أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ».
والراجح أن هناك صلة بين هذا البيان وبين تحويل القبلة وما ثار حوله من جدل طويل. ولقد سبق الكلام عن حكمة تحويل القبلة. فالآن يصل السياق إلى تقرير الحقيقة الكبرى حول هذه القضية وحول سائر القضايا الجدلية التي يثيرها اليهود حول شكليات الشعائر والعبادات، وكثيرا ما كانوا يثيرون الجدل حول هذه الأمور.
إنه ليس القصد من تحويل القبلة، ولا من شعائر العبادة على الإطلاق، أن يولي الناس وجوههم قبل المشرق والمغرب .. نحو بيت المقدس أو نحو المسجد الحرام .. وليست غاية البر - وهو الخير جملة - هي تلك الشعائر الظاهرة. فهي في ذاتها - مجردة عما يصاحبها في القلب من المشاعر وفي الحياة من السلوك - لا تحقق البر، ولا تنشئ الخير .. إنما البر تصور وشعور وأعمال وسلوك. تصور ينشئ أثره في ضمير الفرد والجماعة وعمل ينشئ أثره في حياة الفرد والجماعة. ولا يغني عن هذه الحقيقة العميقة تولية الوجوه قبل المشرق والمغرب .. سواء في التوجه إلى القبلة هذه أم تلك أو في التسليم من الصلاة يمينا وشمالا، أو في سائر الحركات الظاهرة التي يزاولها الناس في الشعائر.
«وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ ... الآية».
ذلك هو البر الذي هو جماع الخير .. فماذا في تلك الصفات من قيم تجعل لها هذا الوزن في ميزان اللّه؟
ما قيمة الإيمان باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين؟