ومن هذا المحور .. ثم يتفق المنهج - ثانيا - مع طريقة التنظيم الاجتماعي الإسلامية: من جعل الكافل يبدأ في محيط الأسرة ثم ينساح في محيط الجماعة. كي لا يركز عمليات التكافل في يد الأجهزة الحكومية الضخمة - إلا عند ما تعجز الأجهزة الصغيرة المباشرة - فالو حدات المحلية الصغيرة أقدر على تحقيق هذا التكافل: في وقته المناسب وفي سهولة ويسر. وفي تراحم وود يجعل جو الحياة لائقا ببني الإنسان! وهنا يبدأ بالإحسان إلى الوالدين. ويتوسع منهما إلى ذوي القربي. ومنهم إلى اليتامى والمساكين - ولو أنهم قد يكونون أبعد مكانا من الجار. ذلك أنهم أشد حاجة وأولى بالرعاية - ثم الجار ذو القرابة. فالجار الأجنبي - مقدمين على الصاحب المرافق - لأن الجار قربه دائم، أما الصاحب فلقاؤه على فترات - ثم الصاحب المرافق - وقد ورد في تفسيره أنه الجليس في الحضر، الرفيق في السفر - ثم ابن السبيل. العابر المنقطع عن أهله وماله. ثم الرقيق الذين جعلتهم الملابسات «ملك اليمين» ولكنهم يتصلون بآصرة الإنسانية الكبرى بين بني آدم أجمعين.
ويعقب على الأمر بالإحسان، بتقبيح الاختيال والفخر، والبخل والتبخيل، وكتمان نعمة اللّه وفضله، والرياء في الإنفاق والكشف عن سبب هذا كله، وهو عدم الإيمان باللّه واليوم الآخر، واتباع الشيطان وصحبته: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً. الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ، وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً. وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ، وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً!» ...
وهكذا تتضح مرة أخرى تلك اللمسة الأساسية في المنهج الإسلامي. وهي ربط كل مظاهر السلوك، وكل دوافع الشعور، وكل علاقات المجتمع بالعقيدة. فإفراد اللّه - سبحانه - بالعبادة والتلقي، يتبعه الإحسان إلى البشر، ابتغاء وجه اللّه ورضاه، والتعلق بثوابه في الآخرة في أدب ورفق ومعرفة بأن العبد لا ينفق إلا من رزق اللّه. فهو لا يخلق رزقه، ولا ينال إلا من عطاء اللّه .. والكفر باللّه وباليوم الآخر يصاحبه الاختيال والفخر،والبخل والأمر بالبخل، وكتمان فضل اللّه ونعمته بحيث لا تظهر آثارها في إحسان أو عطاء أو الإنفاق