وأفضليته في مكانها .. في الاستعداد للقوامة والدربة عليها .. والنهوض بها بأسبابها .. لأن المؤسسة لا تسير بلا قوامة - كسائر المؤسسات الأقل شأنا والأرخص سعرا - ولأن أحد شطري النفس البشرية مهيأ لها، معان عليها، مكلف تكاليفها. وأحد الشطرين غير مهيأ لها، ولا معان عليها .. ومن الظلم أن يحملها ويحمل تكاليفها إلى جانب أعبائه الأخرى .. وإذا هو هيىء لها بالاستعدادات الكامنة، ودرب عليها بالتدريب العلمي والعملي، فسد استعداده للقيام بالوظيفة الأخرى .. وظيفة الأمومة .. لأن لها هي الأخرى مقتضياتها واستعداداتها. وفي مقدمتها سرعة الانفعال، وقرب الاستجابة. فوق الاستعدادات الغائرة في التكوين العضوي والعصبي وآثارها في السلوك والاستجابة! إنها مسائل خطيرة .. أخطر من أن تتحكم فيها أهواء البشر .. وأخطر من أن تترك لهم يخبطون فيها خبط عشواء .. وحين تركت لهم ولأهوائهم في الجاهليات القديمة والجاهليات الحديثة، هددت البشرية تهديدا خطيرا في وجودها ذاته وفي بقاء الخصائص الإنسانية، التي تقوم بها الحياة الإنسانية وتتميز.
ولعل من الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكمها ووجود قوانينها المتحكمة في بني الإنسان، حتى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكرون لها ..
لعل من هذه الدلائل ما أصاب الحياة البشرية من تخبط وفساد، ومن تدهور وانهيار ومن تهديد بالدمار والبوار، في كل مرة خولفت فيها هذه القاعدة. فاهتزت سلطة القوامة في الأسرة. أو اختلطت معالمها. أو شذت عن قاعدتها الفطرية الأصيلة! ولعل من هذه الدلائل توقان نفس المرأة ذاتها إلى قيام هذه القوامة على أصلها الفطري في الأسرة. وشعورها بالحرمان والنقص والقلق وقلة السعادة عند ما تعيش مع رجل، لا يزاول مهام القوامة وتنقصه صفاتها اللازمة فيكل إليها هي القوامة! وهي حقيقة ملحوظة تسلم بها حتى المنحرفات الخابطات في الظلام! ولعل من هذه الدلائل أن الأطفال - الذين ينشأون في مؤسسة عائلية القوامة فيها ليست للأب. إما لأنه ضعيف الشخصية، بحيث تبرز عليه شخصية الأم وتسيطر. وإما لأنه مفقود: لوفاته - أو لعدم وجود أب شرعي! - قلما ينشأون أسوياء. وقل ألا ينحرفوا إلى شذوذ ما، في تكوينهم العصبي والنفسي، وفي سلوكهم العملي والخلقي ..