وكذلك قول الحارث بن حلزة:
والعَيْشُ خَيْر فِى ظِلالِ النَوْكِ. . . مِمنْ عَاشَ كدَّا
أراد: العيش الناعم في ظلال الجهل خير من العيش الشاق في ظلال
العقل. .
والوجه الذي يُقرب هذه الأمثلة الثلاثة إلى الصواب أنه يمكن أن يقال:
إن دليل الحذف فيها ما قابل المحذوف.
فقوله: " ومقتلهم عند الوغى " دليل " في السلم " المحذوف، وإلا لخرج الكلام مخرج الآحاجى والألغاز، ولما استحق أن يدخل في باب الأدب.
* *
ولو أننا تتبعنا سائر فنون البديع بمعناها العام لوجدنا أمثلتها في القرآن
لا تخرج عن البلاغة الأصلية مع الوفاء بحق المعنى، وحق اللفظ.
فليس فيه إحسان في موضع وإساءة في آخر، بل هو على وتيرة واحدة فى
جميع فنونه وطرق تعبيره، وهذا هو الفرق الذي رمناه بين بديع القرآن وبديع
الناس فالناس - شعراؤهم وناثروهم - إذا أكثروا من استعمال البديع لم يسلم لهم منه إلا القليل، وإذا لم يكثروا منه - وهذا شرط قبوله - فإنهم ليسوا فى مأمن من السقوط والكلفة، كما وقع لبشار بن برد ومسلم بن الوليد وأبى تمام، وكما وقع للمتأخرين منهم حينما أسرفوا وغالوا في السعى وراء البديع فضعف معه المعنى أو زال من أساسه كبديع الزمان الهمذانى وصفى الدين الحلي، وغيرهما من عشاق البديع ومصروعيه.