* مقام المخالفات:

ومن الملاحظات الهامة أن هذه الاستعارة لم ترد إلا في مقام المخالفات سواء

أكان ذلك حال الحياة أو بعد الموت، فآدم وحواء خالفا ربهما بعصيان أمره،

والكافرون المقول لهم: (ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ) مخالفون لشرائع ربهم.

والذى أذاقه الله الرحمة مخالف لربه حيث لم يشكره في السراء ولم يصبر فى

الضراء.

والذي يقال لهم: (فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) مخالفون لربهم في كنزهم

المال وعدم التصدق منه وإخراج زكاته.

ففى هذه الاستعارة معنى التهكم وهذا واضح في ما خوطب به الكافرون

أو أسند إليهم مثل: (ذُقْ إنكَ أنتَ العَزيزُ اْلكَرِيمُ) ، ومثل: (هَذَا

فَليَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) . .

ويظهرَ هذا التهكم في كل ما يُقال للعصاة يوم القيامة.

أما فيما أُسند إلى آدم وحواء فلبيان أن بدو السوءات حصل بأقل ما يكون

من الأكل بمجرد الذوق، وهذا يبيِّن أن نصح الله لهما كان من أجل مصلحتهما وأنهما حين خالفا أسرع إليهما أثر تلك المخالفة فالحكمة كانت في امتثال أمره.

والصورة الأدبية التي أراد القرآن إيضاحها في: (فَأذَاقَهَا اللهُ لبَاسَ

الجُوع وَالخَوْف) أن الجوع والخوف محيطان بهما إحاطة اللباس بلَابسه

وتكون فائدة الإذاقة حينئذ أنهم وجدوا طعمهما المر وأحسوه كما يحس المتذوق طعم ما ذاقه من مأكول أو مشروب، وفي هذا معنى التهكم حيث جعل طعامهم ولباسهم جوعاً وخوفاً، وأوقع عليهما الإذاقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015