ثم يقول: وله في القرآن نظائر كثيرة ألا ترى إلى قوله تعالى:
(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) .
فقوله: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) . ليس تقديم المفعول فيه على الفعل من
باب الاختصاص وإنما من باب مراعاة: نظم الكلام.
فإنه قال: (الليْلُ نَسْلخُ مِنْهُ النهَارَ) .
وقال: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) . فاقتضى حسق النظم أن يقول: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ) ليكون الجميع على نسق واحد في النظم ولو قال: " وقدرنا القمر
منازل " لما كان بتلك الصورة في الحسن.
وكذلك يرى في قوله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
قال: إن تقديم المفعول في الموضعين الأولين لمكان حسن النظم.
*
ويؤخذ على ابن الأثير إسرافه في حمل التقديم على مراعاة: النظم أو ما يسميه أحياناً: " الفضيلة السجعية ".
وليس له من دليل واحد يستطيع أن يقنعنا به لنجاريه فيما يقول.
إن الأمثلة التي ذكرها جاءت مستوفية لشروط إفادة القصر، وهو في الوقت
نفسه يفصل بينها.