قَالَ ابْن مَالك: إِطْلَاق سِيبَوَيْهٍ القَوْل بِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة رُبمَا مُوجب للتسوية بَينهمَا فِي التقليل وَالصرْف إِلَى المضيّ. وَاعْتَرضهُ أَبُو حَيَّان فَقَالَ: لم يبين سِيبَوَيْهٍ الْجِهَة الَّتِي فِيهَا قد بِمَنْزِلَة رُبمَا وَلَا يدل على ذَلِك التَّسْوِيَة فِي كل الْأَحْكَام بل يسْتَدلّ بِكَلَام سِيبَوَيْهٍ على نقيض مَا فهمه ابْن مَالك وَهُوَ أَن قد بِمَنْزِلَة رُبمَا فِي التكثير فَقَط.

وَيدل عَلَيْهِ إنشاد الْبَيْت لِأَن الْإِنْسَان لَا يفخر بِمَا يَقع مِنْهُ على سَبِيل الندرة والقلة وَإِنَّمَا يفتخر بِمَا يَقع مِنْهُ على سَبِيل الْكَثْرَة فَيكون قد بِمَنْزِلَة رُبمَا فِي التكثير. انْتهى.

وانتصر بعض الْفُضَلَاء لِابْنِ مَالك رادّاً كَلَام أبي حَيَّان فَقَالَ: أما قَوْله: لم يبين سِيبَوَيْهٍ الْجِهَة ... إِلَخ فإطلاق التَّسْوِيَة كافٍ فِي الْأَحْكَام كلهَا إِلَّا مَا تعين خُرُوجه.

وَأما قَوْله: لِأَن الْإِنْسَان ... إِلَخ فَجَوَابه أَن فَخر الْإِنْسَان بِمَا يَقع مِنْهُ كثيرا إِنَّمَا يكون فِيمَا يَقع قَلِيلا وَكَثِيرًا فيفخر بالكثير مِنْهُ أما مَا لَا يَقع إِلَّا نَادرا فَقَط فَإِنَّهُ يفخر بِالْقَلِيلِ مِنْهُ لِاسْتِحَالَة الْكَثْرَة فِيهِ.

وَترك الْمَرْء قرنه مصفرّ الأنامل يَسْتَحِيل وُقُوعه كثيرا وَإِنَّمَا يتَّفق نَادرا فَلذَلِك يفتخر بِهِ لِأَن الْقرن هُوَ المقاوم للشَّخْص الْكُفْء لَهُ فِي شجاعته فَلَو فرض مَغْلُوبًا مَعَه فِي الْكثير من الْأَوْقَات لم يكن قرنا لَهُ إِذْ لَا يكون قرنا إِلَّا عِنْد الْمُكَافَأَة غَالِبا.

إِذْ تقرر هَذَا فَنَقُول: لما كَانَ قَوْله الْقرن يَقْتَضِي أَنه لَا يغلب قرنه لِأَن القرنين غَالب أَمرهمَا التَّعَارُض ثمَّ قضى بِأَنَّهُ قد يغلبه حملنَا ذَلِك على الْقلَّة صونا للْكَلَام عَن التدافع وَقُلْنَا: المُرَاد)

أَنه بِتَرْكِهِ كَذَلِك تركا لَا يُخرجهُ عَن كَونه قرنا. وَذَلِكَ هُوَ التّرْك النَّادِر لِئَلَّا يدْفع آخر الْكَلَام أَوله.

والزمخشري فهم مَا فهمه أَبُو حَيَّان من أَن قد فِي الْبَيْت للتكثير فقد اتجهت

الْمُؤَاخَذَة على ابْن هِشَام فِي نَقله هَذَا الْمَعْنى عَن سِيبَوَيْهٍ فَإِن سِيبَوَيْهٍ لم يقلهُ نصا وَإِنَّمَا فهمه أَبُو حَيَّان عَنهُ.

ثمَّ أَبُو حَيَّان لَيْسَ جَازِمًا بِهِ وَإِنَّمَا قَالَه مُعَارضا لفهم ابْن مَالك وَمثل هَذَا لَا يَكْفِي فِي تسويغ النَّقْل عَن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015