(نصبنا رَأسه فِي رَأس جذع ... بِمَا جرمت يَدَاهُ وَمَا اعتدينا)
أَي: بِمَا كسبت. وَقَالَ آخَرُونَ: معنى جرم حق وتأولوا الْآيَة بِمَعْنى حقق قَوْلهم أَن لَهُم النَّار.
وأنشدوا: وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة طعنةً الْبَيْت أَرَادَ: حققت فَزَارَة. وروى الْفراء: فَزَارَة بِالنّصب على معنى كسبت الطعنة فَزَارَة الْغَضَب.
وَقَالَ الْفراء: لَا جرم فِي الأَصْل مثل لَا بُد وَلَا محَالة ثمَّ استعملته الْعَرَب فِي معنى حَقًا وَجَاءَت فِيهِ بِجَوَاب الْأَيْمَان. انْتهى.
وَقد نقل الْجَوْهَرِي كَلَام الْفراء بِعَيْنِه فِي الصِّحَاح. الْعجب من ابْن بري فِي قَوْله تبعا لِابْنِ السَّيِّد: هَذَا رد على الْخَلِيل وسيبويه لِأَنَّهُمَا قدراه أحقت فَزَارَة الْغَضَب أَي: بِالْغَضَبِ فأسقط الْبَاء.
-
وَفِي قَول الْفراء لَا يحْتَاج إِلَى إِسْقَاط حرف الْجَرّ فِيهِ لِأَن تَقْدِيره كسبت فَزَارَة الْغَضَب عَلَيْك.
انْتهى.
وَمَا نَقله مِنْهُمَا حق لَا شُبْهَة فِيهِ. وَأما مَا وَجه التَّعَجُّب فَإِنَّهُ كَيفَ يَصح قَوْله: هَذَا رد على الْخَلِيل وسيبويه لِأَنَّهُمَا قدراه: أحقت فَزَارَة الْغَضَب مَعَ قَول الْفراء: فَرفعُوا فَزَارَة بجعله قَول سِيبَوَيْهٍ والخليل وَالَّذِي قَالَه الشَّارِح. رَأَيْته فِي تَفْسِير الزّجاج وَهُوَ مُتَأَخّر عَن الْفراء قَالَ عِنْد قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون من سُورَة النَّحْل مَا نَصه: