النَّاس حَالا.

ثمَّ إِنَّه ذكر أَخَاهُ ذَات يَوْم فَدَمَعَتْ عَيناهُ وَقَالَ: كَيفَ يَنْفَعنِي الْعَيْش وَأَنا أنظر إِلَى قَاتل أخي فَعمد إِلَى فأس فأحدها ثمَّ قعد فمرت بِهِ فتبعها وضربها فأخطأها وَدخلت جحرها وَوَقعت الفأس فَوق جحرها فأثرت فِيهِ فَلَمَّا رَأَتْ مَا فعل قطعت عَنهُ الدِّينَار الَّذِي كَانَت تعطيه.

فَلَمَّا رأى ذَلِك تخوف شَرها وَنَدم فَقَالَ لَهَا: هَل لَك أَن نتواثق ونعود إِلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ فَقَالَت: كَيفَ أعاودك وَهَذَا أثر فاسك وَأَنت ترى قبر أَخِيك وَأَنت فَاجر لَا تبالي بالعهد.

وَكَانَ حَدِيث الْحَيَّة والفأس من مَشْهُور أَمْثَال الْعَرَب.

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لما حج عبد الْملك بن مَرْوَان أول حجَّة حَجهَا فِي خِلَافَته قدم الْمَدِينَة فَخَطب فَقَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة وَالله لَا تحبوننا وَلَا نحبكم أبدا وَأَنْتُم

أَصْحَاب عُثْمَان إِذْ نقيتمونا عَن الْمَدِينَة وَنحن أصحابكم يَوْم الْحرَّة فَإِنَّمَا مثلنَا ومثلكم كَمَا قَالَ النَّابِغَة. وَأنْشد هَذِه ثمَّ قَالَ: إِنَّه كَانَت حيةٌ مجاروةً رجلا فوكعته فَقتلته ثمَّ إِنَّهَا دعت أَخَاهُ إِلَى أَن يصالحها على أَن تدي لَهُ أَخَاهُ فعاهدها ثمَّ كَانَت تعطيه يَوْمًا وَلَا تعطيه يَوْمًا فَلَمَّا تنجز عَامَّة دِيَته قَالَت لَهُ نَفسه: لَو قتلتها وَقد أحذت عَامَّة الدِّيَة فيجتمعان لَك فَأخذ فأساً فَلَمَّا خرجت لتعطيه الدِّينَار ضربهَا على رَأسهَا وسبقته فأخطأها وَنَدم فَقَالَ:)

تعالي نتعاقد وَلَا نغدر وتنجزي آخر ديتي. فَقَالَت: أَبى الصُّلْح الْقَبْر الَّذِي بَين عَيْنَيْك والضربة الَّتِي فَوق رَأْسِي. فَلَنْ تحبني أبدا مَا رَأَيْت قبر أَخِيك وَلنْ أحبك مَا كَانَت الضَّرْبَة برأسي. إِنَّا لن نحبكم مَا ذكرنَا مَا صَنَعْتُم بِنَا وَلنْ تحبونا مَا ذكرْتُمْ مَا صنعنَا بكم. انْتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015