مُغنِي اللبيب وَهُوَ الْحق أَنه من جدعت الْحمار سجنته قَالَ لِأَن الْحمار إِذا حبس كثر تصويته وَإِذا جعل من الجدع الَّذِي هُوَ قطع الْأذن لم يظْهر لَهُ معنى قَالَ السُّيُوطِيّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَن صَوت الْحمار حَالَة تقطيع أُذُنه أَكثر وأقبح وَكَأَنَّهُ ظن أَن المُرَاد صَوته بعد التجديع وَلَيْسَ كَذَلِك بل المُرَاد وَقت التجديع هَذَا كَلَامه وَفِيه
نظر فَإِنَّهُ قيل لَا يصوت عِنْد قطع أُذُنه أصلا وَقيل إِن الْحمار إِذا كَانَ مَقْطُوع الْأذن يكون صَوته أرفع وَإِنَّمَا كَانَ صَوت الْحمار مستكرها لِأَن أَوله زفير وَآخره شهيق وَهَذِه الْحَالة تنفر مِنْهَا الطباع وَقد ورد تَمْثِيل الصَّوْت الْمُرْتَفع بِصَوْت الْحمار فِي الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى فِي وَصِيَّة لُقْمَان لِابْنِهِ واغضض من صَوْتك إِن أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير أَي أوحش الْأَصْوَات وأقبحها قَالَ القَاضِي وَفِي تَمْثِيل الصَّوْت الْمُرْتَفع بِهِ ثمَّ إِخْرَاجه مخرج الِاسْتِعَارَة مُبَالغَة شَدِيدَة وَقَالَ معِين الدَّين الصفوي شبه الرافعين صوتهم بالحمير من غير أَدَاة التَّشْبِيه مُبَالغَة فِي التنفير وَلما كَانَ صَوته لَا يكَاد يخْتَلف وأصوات سَائِر الْحَيَوَانَات مُخْتَلفَة جدا أفرد وجمعت وَالْحمير بِمَنْزِلَة أَسمَاء الْأَجْنَاس على الْأَصَح وَالظَّاهِر أَن أنكر الْأَصْوَات إِلَخ كَلَام لُقْمَان وَقيل هَذَا من كَلَام الله انْتهى وَهَذَا القَوْل الْأَخير يُنَاسِبه قَول الشَّاعِر إِلَى رَبنَا فَإِن إِلَى بِمَعْنى عِنْد وَقَالَ النَّسَفِيّ وَلَو كَانَ فِي ارْتِفَاع الصَّوْت فَضِيلَة لم يستشنع صَوت الْحمار الَّذِي هُوَ أرفع الْأَصْوَات وَقَوله فَهَلا تمناها الضَّمِير رَاجع إِلَى مَعْهُود فِي الذِّهْن أَي فَهَلا تمنى الْحَرْب حِين كَانَت حُبْلَى بمنايا الرِّجَال