أحدٌ كَانَ أنصح لجذيمة مني وَلَا أغش لَك حَتَّى جدع عَمْرو ابْن عدي أنفي وأذني فَعرفت أَنِّي لم أكن مَعَ أحد أثقل عَلَيْهِ مِنْك.

فَقَالَت: أَي قصير نقبل ذَلِك مِنْك ونصرفك فِي بضاعتنا. فَأَعْطَتْهُ مَالا للتِّجَارَة فَأتى بَيت مَال الْحيرَة فَأخذ مِمَّا فِيهِ بِأَمْر عَمْرو بن عدي مَا ظن أَنه يرضيها وَانْصَرف إِلَيْهَا بِهِ.

فَلَمَّا رَأَتْ مَا جَاءَ بِهِ فرحت بِهِ وزادته وَلم يزل بهَا حَتَّى أنست بِهِ فَقَالَ لَهَا يَوْمًا: إِنَّه لَيْسَ من ملكةٍ وَلَا ملك إِلَّا وَيَنْبَغِي لَهَا أَن تتَّخذ نفقاً تهرب إِلَيْهِ عِنْد حُدُوث حَادِثَة.

فَقَالَت: إِنِّي قد فعلت ذَلِك تَحت سَرِيرِي هَذَا يخرج إِلَى نفقٍ تَحت سَرِير أُخْتِي. وأرته إِيَّاه.

فأظهر سُرُورًا بذلك وَخرج فِي تِجَارَته كَمَا كَانَ يفعل وَعرف عَمْرو بن عدي مَا فعله فَركب عَمْرو فِي ألفي دارعٍ على ألف بعير فِي جوالق حَتَّى إِذا صَارُوا إِلَيْهَا تقدم قصيرٌ وَدخل على الزباء فَقَالَ: اصعدي حَائِط مدينتك فانظري إِلَى مَالك فَإِنِّي قد جِئْت بمالٍ صَامت.

وَقد كَانَت أمنته فَلم تكن تتهمه فَلَمَّا نظرت إِلَى ثقل مشي الْجمال قَالَت وَقيل إِنَّه مصنوعٌ مَنْسُوب إِلَيْهَا: الرجز

(مَا للجمال مشيها وئيدا ... أجندلاً يحملن أم حديدا)

الأبيات الْمَشْهُورَة.

فَلَمَّا دخلت الْإِبِل خَرجُوا من الجوالق فثاروا بِأَهْل الْمَدِينَة ضربا بِالسَّيْفِ ودخلوا عَلَيْهَا قصرهَا فهربت تُرِيدُ السرب فَوجدت قَصِيرا قَائِما عِنْده بِالسَّيْفِ فَانْصَرَفت رَاجِعَة واستقبلها عَمْرو بن عدي فضربها. وَقيل: بل مصت خاتمها وَقَالَت: بيَدي لَا بيد عَمْرو وَخَربَتْ الْمَدِينَة وسبيت الذَّرَارِي وغنم عمرٌ وكل شيءٍ كَانَ لَهَا ولأبيها وَأُخْتهَا. انْتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015