وَهُوَ يعشي أَصْحَابه فَجَلَسَ مَعَهم وَجعل يتعاجم فَلَمَّا خرج أَصْحَابه كشف عَن وَجهه وَقَالَ: جِئْت عائذاً بك.
فَكتب ابْن جَعْفَر إِلَى أم الْبَنِينَ بنت عبد الْعَزِيز وَهِي زَوْجَة الْوَلِيد بن عبد الْملك لتشفع لَهُ فشفعها فِيهِ وَقَالَ لَهَا: مريه أَن يحضر مجْلِس العشية.
فَحَضَرَ مَعَ النَّاس فَأذن لَهُم وَأخر الْإِذْن لَهُ حَتَّى اخذوا مجَالِسهمْ ثمَّ أذن لَهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ عبد الْملك: يَا أهل الشَّام أتعرفون هَذَا قَالُوا: لَا. قَالَ: هَذَا عبيد الله بن قيس الرقيات الَّذِي يَقُول: الْخَفِيف
(كَيفَ نومي على الْفراش وَلما ... تَشْمَل الشَّام غارةٌ شعواء)
(تذهل الشَّيْخ عَن بنيه وتبدي ... عَن خدام العقيلة الْعَذْرَاء)
قَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اسقنا دم هَذَا الْمُنَافِق. قَالَ: الْآن وَقد أمنته وَصَارَ على بساطي وَفِي منزلي إِنَّمَا أخرت الْإِذْن لَهُ لتقتلوه فَلم تَفعلُوا فاستأذنه فِي الإنشاد فَأذن لَهُ.
فأنشده: عَاد لَهُ من كَثِيرَة الطَّرب حَتَّى وصل فِيهَا إِلَى قَوْله: المنسرح
(إِن الْأَغَر الَّذِي أَبوهُ أَبُو ال ... عاصي عَلَيْهِ الْوَقار والحجب)
(خَليفَة الله فِي رَعيته ... جَفتْ بِذَاكَ الأقلام والكتب)
(يعتدل التَّاج فَوق مفرقه ... على جبينٍ كَأَنَّهُ الذَّهَب)