فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: مَا رَأَيْت من حمقي أخرج الدَّاء وآكل الدَّوَاء وأقتل الْأَعْدَاء أَحمَق مني وَالله من يحمل حتفه بِيَدِهِ فاستراب الملتمس بقوله وطلع عَلَيْهِمَا غلامٌ من الْحيرَة فَقَالَ لَهُ الملتمس: تقْرَأ يَا غُلَام قَالَ: نعم. ففك الصَّحِيفَة وَدفعهَا إِلَيْهِ فَإِذا فِيهَا: أما بعد فَإِذا أَتَاك الملتمس فاقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وادفنه حَيا فَقَالَ لطرفة: ادْفَعْ إِلَيْهِ بصحيفتك فَإِن فِيهَا مثل الَّذِي فِي صحيفتي فَقَالَ طرفَة: كلا لم يكن ليجترئ عَليّ فَإِن بني ثَعْلَبَة لَيْسُوا كبني ضبيعة.
فقذف الملتمس صَحِيفَته فِي نهر الْحيرَة وهرب إِلَى بني جَفْنَة مُلُوك الشَّام وَذهب طرفَة إِلَى عَامل الْبَحْرين فَقتل هُنَاكَ كَمَا شرحناه مفصلا فِي تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة.
وَقَالَ المتلمس فِي ذَلِك يُخَاطب طرفَة:
(من مبلغ الشُّعَرَاء عَن أخويهما ... خَبرا فتصدقهم بِذَاكَ الْأَنْفس)
(أودى الَّذِي علق الصَّحِيفَة مِنْهُمَا ... وَنَجَا حذار حبائه الملتمس)
(ألق الصَّحِيفَة لَا أَبَا لَك إِنَّه ... يخْشَى عَلَيْك من الحباء النقرس)
والنقرس: دَاء فِي الرجل مَعْرُوف. وَصَارَت صحيفَة الملتمس مثلا يضْرب لمن يحصل لَهُ الضَّرَر من جِهَة النَّفْع. قَالَ الفرزدق: ...