كَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يَقُول: وَهَذَا لي فصير الْوَاو بَين هَا وَذَا. وَزعم أَن مثل ذَلِك: إِي هَا الله ذَا أَي: إِنَّمَا هُوَ هَذَا. وَقد تكون هَا فِي هَا أَنْت ذَا غير مُقَدّمَة وَلكنهَا تكون بمنزلتها فِي هَذَا.
ويدلك على هَذَا قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ فَلَو كَانَت هَا هُنَا هِيَ الَّتِي تكون أَولا إِذا قلت هَؤُلَاءِ لم تعد هَا هَا هُنَا بعد أَنْتُم.
وَحدثنَا يُونُس أَيْضا تَصْدِيقًا لقَوْل أبي الْخطاب أَن الْعَرَب تَقول: هَذَا أَنْت تَقول كَذَا وَكَذَا. لم يرد بقوله هَذَا أَنْت أَن يعرفهُ نَفسه كَأَنَّهُ يُرِيد أَن يُعلمهُ أَنه لَيْسَ غَيره. هَذَا محَال وَلكنه أَرَادَ أَن ينبهه كَأَنَّهُ قَالَ: الْحَاضِر عندنَا أَنْت إِذْ الْحَاضِر الْقَائِل كَذَا وَكَذَا أَنْت.
وَإِن شِئْت لم تقدم هَا فِي هَذَا الْبَاب قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ثمَّ أنتمْ هَؤُلَاءِ تَقتُلون أنفُسَكم.
هَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ ونقلناه بِطُولِهِ لِكَثْرَة فَوَائده.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي فَصله بَين هَا وَذَا بِالْوَاو وَنصب نِصْفَيْنِ على الْحَال. وَفِي هَذَا حجَّة لما أجَازه سِيبَوَيْهٍ من الْحَال فِي قَول ذِي الرمة: الطَّوِيل
(ترى خلقهَا نصفٌ قناةٌ قويمةٌ ... ونصفٌ نقاً يرتجّ أَو يتمرمر)
وَأطَال على الْمبرد فِي إبِْطَال جَوَازه فَإِنَّهُ قَالَ: سِيبَوَيْهٍ رفع نصف وَمَا بعده على الْقطع والابتداء وَلَو نصب على الْبَدَل أَو على الْحَال لجَاز.