. على أَن إِلَّا صفة للأصوات وَهِي وَإِن كَانَت معرفَة بلام الْجِنْس فَهِيَ شَبيهَة بالمنكر. وَلما كَانَت إِلَّا الوصفية فِي صُورَة الْحَرْف الاستثنائي نقل إعرابها الَّذِي تستحقه إِلَى مَا بعْدهَا فَرفع بغامها إِنَّمَا هُوَ بطرِيق النَّقْل من إِلَّا إِلَيْهِ. وَالْمعْنَى: أَن صَوتا غير بغام النَّاقة قَلِيل فِي تِلْكَ الْبَلدة وَأما بغامها فَهُوَ كثير.
قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَيجوز فِي الْبَيْت أَن تكون إِلَّا للإستثناء وَمَا بعْدهَا بَدَلا من الْأَصْوَات لن فِي قَلِيل معنى النَّفْي. وَالْمعْنَى على هَذَا: مَا فِي تِلْكَ الْبَلدة من جنس الْأَصْوَات إِلَّا بغامها بِخِلَاف الْمَعْنى الأول فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون فِيهَا صَوت غير البغام لكنه قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى البغام.
قَالَ: وَمذهب سِيبَوَيْهٍ جَوَاز وُقُوع إِلَّا صفة مَعَ صِحَة الِاسْتِثْنَاء.
نسب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي هَذَا الْجَوَاز إِلَى جماعات من النَّحْوِيين ثمَّ قَالَ: وَقد يُقَال إِنَّه مُخَالف لمثال سِيبَوَيْهٍ: لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد لغلبنا وَلقَوْله تَعَالَى: لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا قَالَ: فَلَا يجوز فِي إِلَّا هَذِه أَن تكون للإستثناء من جِهَة الْمَعْنى إِذْ التَّقْدِير حِينَئِذٍ: لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة لَيْسَ فيهم الله لفسدتا وَذَلِكَ
يَقْتَضِي بمفهومه أَنه لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة فيهم الله لم يفسدا وَلَيْسَ ذَلِك المُرَاد. وَلَا من جِهَة اللَّفْظ لِأَن آلِهَة جمع منكّر فِي الْإِثْبَات فَلَا عُمُوم لَهُ فَلَا يَصح الِاسْتِثْنَاء مِنْهُ لَو قلت قَامَ رجل إِلَّا زيد لم يَصح اتِّفَاقًا. انْتهى.
وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لذِي الرمة وَقَبله:
(أَلا خيّلت ميّ وَقد نَام صحبتي ... فَمَا نفّر التهويم إِلَّا سلامها)
(طروقاً وجلب الرحل مشدودة بِهِ ... سفينة برّ تَحت خدي زمامها)