قَالَ: هَذَا اسْتثِْنَاء قيس يَقُولُونَ: غير أَن هَذَا أشرف من هَذَا وَهَذَا أطرف من هَذَا. يكون
(فَتى تمّ فِيهِ مَا يسرّ صديقه ... على أَن فِيهِ مَا يسوء الأعاديا)
انْقَضتْ الْحِكَايَة. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاء على إغرابه جَار مجْرى الِاسْتِثْنَاء الْمَعْهُود أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ: فَتى تمّ فِيهِ مَا يسر صديقه جَازَ أَن يظنّ أَنه مَقْصُور على هَذَا وَحده فَإِذا قَالَ: على أَن فِيهِ مَا يسوء عاديا أَزَال هَذَا الظَّن وَصَارَ مَعْنَاهُ أَن فِيهِ مَسَرَّة لأوليائه ومساءة لأعدائه وَلَيْسَ مَقْصُورا على أحد الْأَمريْنِ. فَهُوَ إِخْرَاج شَيْء من شَيْء لخلاف الثَّانِي الأول. وَكَذَلِكَ: فَتى كملت أخلاقه. . الْبَيْت لما كَانَ إِتْلَافه لِلْمَالِ عَيْبا عِنْد كثير من النَّاس اسْتثْنى هَذِه الْحَالة فأخرجها من جملَة خلال الْمَدْح لمخالفتها إِيَّاهَا عِنْدهم وعَلى مَذْهَبهم. وَلَيْسَ شَيْء يعْقد على أَصله فَيخرج عَنهُ شَيْء مِنْهُ فِي الظَّاهِر إِلَّا وَهُوَ عَائِد إِلَيْهِ وداخل فِيهِ فِي الْبَاطِن مَعَ التَّأَمُّل.
انْتهى كَلَامه.
وَأوردهُ عُلَمَاء البديع أَيْضا فِي بَاب تَأْكِيد الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم.
وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات للنابغة الْجَعْدِي رثى بهَا أَخَاهُ. وَقد أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب المراثي من)
الحماسة وَهِي من قصيدة. . وَقَبله:
(ألم تعلمي أَنِّي رزئت مُحَاربًا ... فَمَا لَك مِنْهُ الْيَوْم شَيْء وَلَا ليا)