(فَإِن تمس فِي غَار برهوة ثاوياً ... أنيسك أصداء الْقُبُور تصيح)
على أَنه جعل الأصداء أنيساً مجَازًا واتساعاً. لِأَنَّهَا تقوم فِي استقرارها بِالْمَكَانِ وعمارته لَهُ مقَام الأناسي.
وقوى سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا مَذْهَب بني تَمِيم فِي إِبْدَال مَا لَا يعقل مِمَّن يعقل إِذْ قَالُوا: مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا حمَار فجعلوه بِمَنْزِلَة مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا فلَان.
وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ رصى بهَا ابْن عمّ لَهُ قتل. مطْلعهَا:
(وَإِن دموعي إثره لكثيرة ... لَو أَن الدُّمُوع والزفير يرِيح)
(فو الله لَا أنسى ابْن عَم كَأَنَّهُ ... نشيبة مَا دَامَ الْحمام ينوح)
إِلَى أَن قَالَ بعد أَبْيَات ثَلَاثَة:
(فَإِن تمس فِي رمس برهوة ثاوياً ... أنيسك أصداء الْقُبُور تصيح)
(على الكره مني مَا أكفكف عِبْرَة ... وَلَكِن أخلّي سربها فتسيح)
(فَمَا لَك جيران وَمَا لَك نَاصِر ... وَلَا لطف يبكي عَلَيْك نصيح)
قَوْله: فَإِن تمس يُقَال أَمْسَى: إِذا دخل فِي الْمسَاء وَهُوَ خلاف أصبح: إِذا دخل فِي الصَّباح. قَالَ ابْن الْقُوطِيَّة: الْمسَاء مَا بَين الظّهْر إِلَى الْمغرب. والرمس: الْقَبْر قَالَ فِي الْمِصْبَاح: رمست الْمَيِّت رمساً من بَاب قتل: دَفَنته. والرمس:
التُّرَاب تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ ثمَّ سمي الْقَبْر بِهِ وَالْجمع رموس. وأرمسته بِالْألف لُغَة. ورهوة: مَكَان قَالَ ياقوت