كَمَا كَانَت فَدَعَا بَعضهم بَعْضًا إِلَى الصُّلْح فَتَحَاكَمُوا إِلَى الْملك عَمْرو بن هِنْد فَقَالَ عَمْرو: مَا كنت لأحكم بَيْنكُمَا حَتَّى تَأْتُونِي بسبعين رجلا من أَشْرَاف بكر بن وَائِل. فأجعلهم فِي وثاق عِنْدِي. فَإِن كَانَ الْحق لبني تغلب دفعتهم إِلَيْهِم وَإِن لم يكن لَهُم حق خلّيت سبيلهم. فعلوا وتواعدوا ليَوْم بِعَيْنِه يَجْتَمعُونَ فِيهِ.
فَجَاءَت تغلب فِي ذَلِك الْيَوْم يَقُودهَا عَمْرو بن كُلْثُوم حَتَّى جلس إِلَى الْملك.
وَقَالَ الْحَارِث بن حلّزة لِقَوْمِهِ وَهُوَ رَئِيس بكر بن وَائِل: إِنِّي قد قلت قصيدة فَمن قَامَ بهَا ظفر بحجته وفلج على خَصمه فروّاها نَاسا مِنْهُم فلمّا قَامُوا بَين يَدَيْهِ لم يرضهم فحين علم انه لَا يقوم)
بهَا أحد مقَامه قَالَ لَهُم: وَالله إِنِّي لأكْره أَن آتِي الْملك فيكلمني من وَرَاء سَبْعَة ستور وينضح أثري بِالْمَاءِ إِذا انصرفت عَنهُ وَذَلِكَ لبرص كَانَ بِهِ غير أَنِّي لَا أرى أحدا يقوم بهَا مقَامي وَأَنا مُحْتَمل ذَلِك لكم. فَانْطَلق حَتَّى أَتَى الْملك فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ عَمْرو بن كُلْثُوم قَالَ للْملك: أَهَذا يناطقني وَهُوَ لَا يُطيق صدر رَاحِلَته فَأَجَابَهُ الْملك حَتَّى أَفْحَمَهُ.
آذنتنتا ببينها أَسمَاء وَهُوَ من وَرَاء سَبْعَة ستور وَهِنْد تسمع فَلَمَّا سَمعتهَا قَالَت: تالله مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قطّ رجلا يَقُول مثل هَذَا القَوْل يكلّم من وَرَاء سَبْعَة ستور فَقَالَ الْملك: ارْفَعُوا سترا ودنا. فمازالت تَقول وَيرْفَع ستر فَستر حَتَّى صَار مَعَ الْملك على مَجْلِسه ثمَّ أطْعمهُ فِي جفنته وَأمر أَن لَا ينضح أَثَره بِالْمَاءِ وجزّ نواصي السّبْعين الَّذين كَانُوا فِي يَدَيْهِ من بكر وَدفعهَا إِلَى الْحَارِث وَأمره أَن لَا ينشد قصيدته إِلَّا متوضياً. فَلم تزل تِلْكَ النواصي فِي بني يشْكر