حكم دهر قاسط، إلى أن أنتجع أرض واسط. وقوله: وأودى بي الناطق والصامت، ورثى لي الحاسد والشامت. ومن أمثلته الشعرية قول أبي الطيب المتنبي:

فنحن في جذل والروم في وجل ... والبر في شغل والبحر في خجل

القسم الثالث: المشطر، وهو أن يكون لكل نصف من البيت قافيتان مغايرتان لقافيتي النصف الأخير، وهذا القسم مختص بالنظم، كقول أبي تمام:

تدبير معتصم بالله منتقم ... لله مرتقب في الله مرتعب

الرابع: المرصع، وقد تقدم الكلام عليه.

قلت: وإذ كنت منشئ ديوان الإنشاء الشريف، أنشأت جميع ما يحتاجون إليه من الفوائد التي أخذتها عن علماء هذا الفن، فإن قصر الفقرات يدل على قوة المنشئ، وأقل ما يكون من كلمتين، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 1 وأمثال ذلك كثيرة في القرآن العزيز، لكن الزائد على ذلك هو الأكثر وكان بديع الزمان يكثر من ذلك، كقوله: كميت نهد2، كأن راكبه في مهد، يلطم الأرض بزبر3، وينزل من السماء بخبر. لكن قالوا: التذاذ السامع بما زاد على ذلك أكثر، لتشوقه إلى ما ورد منه متزايدًا على سمعه. وأما الفقر المختلفة، فالأحسن أن تكون الثانية أزيد من الأولى بقدر غير كثير، لئلا يبعد على السامع وجود القافية فتذهب اللذة، وإن زادت القرائن على اثنتين، فلا يضر تساوي القرينتين الأوليين، وإن زادت الثانية على الأولى يسيرًا، والثالثة على الثانية، فلا بأس، ولا يكون أكثر من المثل. ولا بد من الزيادة في آخر القرائن.

مثاله في القرينتين: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدّا، تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّا} 4 فالثانية أطول من الأولى، ومثاله في الثالثة قوله تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا، إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا، وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} 5 ومن قواعد الإنشاء، أن تكون كل فاصلة مخالفة لنظيرتها في المعنى؛ لأن اللفظ إذا كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015