لامتناعها من الدخول في هذا الوزن، وهذا محال؛ لأن المتنبي لو أراد أن يقول: يردُّ يدًا عن ثوبها وهو ساهر، لحصل له غرضه من الطباق، ولم يعصه الوزن، وإنما المتنبي قصد أن يكون في بيته طباق وجناس، فعدل عن لفظة ساهر إلى قادر؛ لأن القادر ساهر وزيادة، وحصل بين راقد وقادر الطباق المعنوي، وجناس العكس؛ لأن الطباق أنواع: منها المعنوي: كما أن الجناس أنواع: منها العكس، ومذهب المتنبي ترجيح المعاني على الألفاظ، ولا سيما وبالعدول عن الطباق اللفظي، حصل في البيت الطباق والجناس معًا، وما كان فيه الطباق والجناس معًا أفضل مما ليس فيه سوى الطباق. ولو عدل المتنبي إلى ما ذكره المعري، لفاته هذا الفضل، والله أعلم.
وقد ثبت من هذا البحث، أن بيت المتنبي لا يصلح أن يكون شاهدًا على هذا الباب؛ لأنه لم يعصه فيه شيء ولم يطعه غيره، وكذلك بيت الشيخ صفي الدين في بديعيته وهو قوله:
لهم تهلل وجه بالحياء كما ... مقصوره مستهل من أكفهم1
فإنه ذكر، في شرحه، أنه أراد الجناس، بين الحياء والحيا، ولما عصاه الوزن وتعذر التجنيس عدل إلى لفظة مقصوره، وهي ردف لفظة الحيا، فأطاعه الجناس المعنوي بإشارة ردفه إليه. اهـ.
قلت: والذي قرره الشيخ صفي الدين أيضًا محال، ولو قال:
لهم تهلل وجه بالحياء كما ... لنا الحيا مستهل من أكفهم
لحصل له ما أراد من الجناس، وخلص من ثقل مقصوره، وحصل لبيته طلاوة في الأذواق، وخلا من العقادة، وتحقق المتأمل أن عصيان الوزن هنا محال، وكذلك بيت الشيخ عز الدين وهو:
أطاعه وعصاه المؤمنون ومن ... ناواه ذا الفرق بين الإنس والنعم2
فإنه ذكر، في شرحه، أنه أراد الطباق بين المؤمنين والكافرين، فعصاه الوزن وتعذرت المطابقة، فأتى بلفظة ناواه، فأطاعته المطابقة وعصاه الوزن.
قلت: والذي قرره الشيخ عز الدين أيضًا ههنا محال، ولو قال:
أطاعه وعصاه المؤمنون وجمـ ... ـع الكافرين ولم يحفل بجمعهم