بلاغة عدم العاتب والعائب، وترعرع زهره حيث أمطرته من الأنامل المجدية خمس سحائب، فلو شاهده ابن الوردي لاحمرّ خجلًا، أو صاحب زهر الأدب لتلوّن وجلًا، ثم تأمل حل اللغز فوجده قد كشف المشكل وجلى، واعترف أنه لم يمر بذوقه أطيب من ذلك الحل ولا أحلى، وتحقق أن مولانا أوسع المملوك في مقام الأدب بفضله إيناسًا، وتناول منه قدحًا أعاده بألفاظه المسكرة كاسًا، وانتهى المملوك إلى اللغز المخدومي، فقال:
مولاي مجد الله يا من فضله ... يروي وجود كفوفه يروي الصدى
ألغزت في اسم عاطل حليته ... فينا بدرّ اللفظ أو قطر الندى1
إن أورد التحريف في أثنائه ... قد كان للشاني هلاكًا أو ردى2
وقال مجيبًا له أيضًا عن الورد:
لله لغزك يا مولى فضائله ... قد عطر الكون منها طيب أنفاس
أتى بورد فحياني على قدحي ... به وأبهجني ما بين جلاسي
وقد أسا جرح كسرى حين أقبل لي ... روحي الفداء لذكر الورد والآس
فاستحلى المملوك بالتحريف ورده، وود لو اقتطف من أغصان حروفه ورده، ورده إلى ذل القصور عاريًا عن ملابس عزه، وأنشد قول ابن قلاقس وقد تقلى بنار عجزه:
إذا منعتك أشجار المعالي ... جناها الغض فاقنع بالشميم3
فراح على بهرج هذا الرأي الكاسد، واقتنع بالشميم على رغم أنف الحاسد، وعلم أن تلك الورود لا تخرج إلا من تلك الخضرة، وأن هذه الفاكهة لا تخرجها إلا أغصان أقلام لها باليد المخدومية بهجة ونضرة، وتمشى المملوك من هذا اللغز في بساتين الوزير على الحقيقة، ورأى كل ورقة فاحمرت الوجنات الحمر فتحير أهي وردة أم شقيقة4، وتفكه به معجبًا بثمار غرسه، منشدًا لمن كرر النظر في صحيفتي طرسه:
إن كنت تزعم ما في خده عجبًا ... فانظر إلى الورد في خديه منثورًا
فلقد ظفرت من نفسه الوردي بالعنبر الورد، وعودته عند تبديل الثلاثة بالواحد